سعت شركة كويتية قبل سنوات إلى الدخول في مشروع بناء وإدارة مستشفى عالمي لعلاج أمراض السرطان محلياً، والاستفادة من الأموال التي تصرف على الخارج، وقامت بالتعاقد مع مستشفى «غوستاف روسي»، الفرنسي الشهير، المختص بعلاج أمراض السرطان، ليكون شريكاً.

 كانت الفكرة ذكية ومربحة. فالمشروع سيمول كاملاً بأموال «الأوفست». كما أن الأرض ستكون مجانية من الدولة، والدخل المجزي سيكون من الأموال المخصصة للعلاج بالخارج، التي تبلغ حالياً 400 مليون دينار، تقريباً!

حصل المشروع على الموافقات المبدئية، لكن تبيّن بعد طول أخذ ورد عدم انطباق شروط «الأوفست» عليه.

كما أن مساحة الأرض، التي تقدم أصحاب المشروع للحصول عليها من الدولة، مجاناً، تجاوزت بكثير مساحة 6000 متر2، التي سبق أن خصصت لمشاريع مماثلة. ولكن الطرف المستثمر، والذي في الحقيقة لم يكن ينوي استثمار شيء غير فكرته الصائبة، ومبلغ الثلاثمئة ألف دينار الذي رصده للمشروع، أصر على طلباته، فزاد ذلك من تأخر الموافقات النهائية، وصعوبة تلبية طلباته، وهذا دفعهم إلى البحث عن شركات ومخارج للطريق المسدود، ولكن البيروقراطية الكويتية كانت أقوى، ثم تبيّن للجهة الفرنسية أنه بإمكانهم، من خلال قانون هيئة تشجيع الاستثمار، الدخول إلى السوق الكويتي والاستثمار والعمل مباشرة فيه من دون الحاجة إلى وكيل أو شريك! وحيث إن هدف الفرنسيين يكمن أساساً في نقل خبراتهم في مجال علاج السرطان لدولة أخرى، فقد عرضت عليهم أطراف حكومية القيام بإدارة مستشفيات السرطان الحالية على طريقتهم، وهذا سيوفر على الدولة عشرات الملايين من المال العام، التي طلبها أصحاب المشروع من «الأوفست». كما ستنتفي الحاجة إلى توفير أراضٍ بمساحات ضخمة لمشروع مستشفى جديد، والأهم من كل ذلك الاستفادة القصوى من مباني مستشفيات السرطان الحالية ومعداتها وخبراتها، التي ستتحول إلى أطلال خاوية إن بُني مستشفى سرطان جديد بإدارة عالمية!

على الرغم من أن الفكرة كانت مغرية للجانب الفرنسي، كونهم غير معنيين أساساً بالحصول على القرض والعرض والأرض، وهمهم فقط نقل خبراتهم أو الـknow how، إلى طرف آخر مقابل مبلغ سنوي جيد، فإن العقد مع الطرف الكويتي منعهم من قبول العرض الحكومي المنطقي؛ لذا قرروا، مع قدوم مجلس إدارة جديد، الانسحاب من المشروع برمته، لأن القبول يعني دفع تعويضات كبيرة للشريك المحلي، لإخلالهم بشروط التعاقد، بينما الانسحاب لن يكلفهم شيئاً، وسيستمر المرضى من الكويت في تلقي العلاج لديهم في فرنسا!
***
من كل ذلك يتبيّن أن موجة الغضب العارمة التي اجتاحت الرأي العام، وتهديدات النواب باستجواب الحكومة على تقصيرها، بعد قرار مستشفى «غوستاف روسي» الانسحاب، ومحاولة كل الأطراف تقريباً إلقاء كامل المسؤولية على الحكومة، لم يكن كل ذلك منطقياً ولا مقبولاً، كما لم يكن منصفاً كل من غرّد أو كتب أو هاجم الحكومة على تخاذلها وعجزها، فالذنب، هذه المرة على الأقل، لم يكن بكامله ذنب الحكومة!

ملاحظة أخيرة: سر نجاح مستشفى غوستاف روسي في باريس يكمن في كونه مشروعاً متكاملاً في معداته وأطبائه، وخبراته المتراكمة وجهازه التمريضي وغير ذلك من أسرار تفوقه، وهذه كلها يصعب نقلها إلى أي مستشفى في الكويت.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw