إيران والقس «توتو»
لم ينجح فرد في كسر قوانين الطبيعة، ولم تنجح دولة في السير عكسها، أو عكس التاريخ وحريات شعوبها!
التاريخ كان دائماً مع التقدّم والانفتاح على الآخر، ومع التواصل البشري، وكل ما عداه زال واختفى لأنه كان ضد المنطق.
***
كان القس الجنوب أفريقي دزموند توتو يخاطب الأقلية البيضاء، التي كانت تحكم بلده، بأن عليها الإقرار بأن يوم التحرير سيأتي لا محالة، ستحكم فيه الأغلبية السوداء، فلِمَ لا يتوقف سفك الدماء، وتنقذ آلاف الأرواح من الموت ويتوقف الدمار، بدلاً من صراع نتيجته معروفة؟!
***
على القيادة الإيرانية أن تدرك أن من الاستحالة حكم أمة بغير رغبتها، وليس من المنطقي «جرها» إلى الجنّة عنوة، فليست هناك طريقة أو نص ديني يبين كيف تُضمن الجنة، وبالتالي لِمَ لا يترك الشعب يعيش كما الشعوب الأخرى، في حدود الأخلاق، والقانون والنظام العام؟
إغلاق الأفواه لا يمكن أن يستمر إلى الأبد!
إبداء الرأي بحرية حق أصيل للإنسان!
العيش بحرية كان وسيبقى من صفات الإنسان السوي، ولن تغيّره كل أنظمة الدنيا ولا بطش الأجهزة السرية، ولا المعتقلات ولا القتل! علماً بأن النظام الحالي قام بعد ثورة كانت الأجمل والأنقى والأقل دموية في التاريخ الحديث، وعلى أنقاض نظام فاسد ومهترئ وظالم، ومن قاموا بها يستحقون أن يكون لهم نصيب من المبادئ التي ثاروا من أجلها.
***
يقول كاتب مجهول، يدّعي أنه ليس إيرانياً، أنك عندما تقابل إيرانياً، فإنك تقابل رجل أعمال، مهندساً، طبيباً، محامياً أو رئيساً تنفيذياً، أو مدرساً أو طالباً، أو عالماً، منجماً، أو موسيقياً، فناناً، كاتباً، أو منتجاً أو مخرجاً أو ممثلاً. وقد يكون وسطياً في أفكاره، أو ملكياً أو محافظاً أو تقدمياً أو فوضوياً أو ماركسياً، أو رأسمالياً. وقد يكون ملحداً، زرادشتياً، يهودياً، أو بهائياً، أو بوذياً أو آشورياً، أو مسلماً شيعياً أو سنياً، أو كردياً أو أرمنياً أو تركياً أو بلوشياً أو عضواً في إحدى عشرات القبائل والأعراق الأخرى التي تعتبر إيران موطناً لها.
عندما تقابل إيرانياً، تقابل عاشقاً ومقاتلاً ومثله مثل غيره جنسياً أو مستقيماً، ومن نسل فخور بتاريخ الإمبراطورية الفارسية المذهلة في أسبقيتها، وفي تشريعاتها الإنسانية.
عندما تقابل إيرانياً، تقابل ابنة كورش العظيم أو داريوش، أو ابن الرومي أو سعدي أو عمر الخيام، أو حتى مصدق أو كوكوش، أو واحداً من أبطال الفرس أو إيران، لكن جميعهم تقريباً لديهم شيء واحد مشترك، هو ذلك الثقب الذي في قلوبهم، مجازاً، الذي وجد وبقي منذ أن استولى البعض على وطنهم قبل أربعين عاماً ونيف.
واليوم هم بحاجة إلى أن تعود إليهم دولتهم ديموقراطية وحرة، وأن يحكموا أنفسهم، وهذا حلم أصبح ممكناً مع تساقط كل هذا العدد من الشهداء في معركة الحرية، وهم بحاجة إلى تعاطف العالم معهم، حتى لو كان عبر المقالات والرسائل، أو على مواقع التواصل والمنشورات، وهذا أقل ما يمكن فعله من أجل النساء والرجال الشجعان، الذين يقاتلون في إيران من أجل وطن وحياة أفضل!
«براي زن... براي زندگى... براي آزادى»!
من أجل المرأة... من أجل الحياة... من أجل الحرية..
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw