بعض مما لم تشهده الأغلبية في قطر
«.. ربما علينا الطلب مستقبلاً من قطر أن تنظم لنا مناسباتنا الرياضية، ففي نهائيات أوروبا سيطرت فوضى المدمنين على المخدرات وجماهير الشغب على المناسبة وجعلتها مأساة. وأصبح علينا التساؤل: إلى أين سنأخذ أبناءنا معنا، في المرة القادمة؟».
(تعليق ورد في التلغراف اللندنية، في إشادة جميلة بمونديال قطر)
***
يعتقد الجميع تقريباً، وهم محقون، أن قطر نجحت بجدارة في استضافة أعظم حدث رياضي في التاريخ، من دون أية هفوات تذكر، آخذين في الاعتبار صغر حجمها الجغرافي والبشري، وشبه انعدام خبرتها في إقامة مثل هذه المناسبات الكبيرة، فهنيئاً لشعبها وأميرها.
***
انتقد البعض المبالغ الهائلة التي صرفتها قطر على إقامة المونديال، وتساءلوا إن كانت المناسبة تستحق ذلك، ألم يكن من الأجدر توجيه مبلغ المئتي مليار دولار لأغراض إنسانية مختلفة؟
بالرغم من مشروعية السؤال، فإنه يتضمن تبسيطاً مخلاً للأمور، فما كسبته قطر أكثر بكثير مما صرفته.
فستبقى قطر للأبد الدولة الصغرى، على الإطلاق، التي نجحت في استضافة حدث بهذا الحجم. كما أصبحت لديها ملاعب جديدة، ونظام مترو جديد، وبنية تحتية شبه متكاملة، ومطار جديد، مع تطوير القديم، ومئات الفنادق وأماكن الترفيه والتسلية، وتحديث طرق البلاد.
استقبلت قطر أكثر من مليون سائح، وستكون السياحة مصدر دخل، بعد أن أصبحت سواحلها أفضل، مع سلسلة من المطاعم الفاخرة والجيدة، وسيصل عدد السياح لها مع عام 2030 إلى 6 ملايين، مقارنة بمليوني زائر عام 2020.
كما أن ثلاثة مليارات من البشر، على الأقل، سمعوا باسم قطر لأول مرة، وعرفوا أين تقع.
ولأول مرة، منذ عقود طويلة، تنجح دولة عربية ومسلمة في تغيير الصورة السلبية والنمطية عن العرب والمسلمين.
كسبت قطر وقيادتها احترام العالم ومحبته.
أفادت قطر مئات آلاف الأسر التي عمل أبناؤها في مختلف المهن لاثني عشر عاماً، للوصول بالمونديال ليومه الأول، ولحفل ختامه.. كما سينمو ناتجها المحلي الإجمالي بأكثر من ثلاثة أضعاف هذا العام من %1.6 المتواضعة في عام 2021، لينخفض إلى النصف في العام المقبل فقط مع تلاشي الضجة الاقتصادية في الخلفية.
***
ولكن أهم ما حققته قطر لم يتمثل في الجانب الدعائي للدولة، ولا السياسي والاقتصادي، بل تمثل، برأيي، في نجاحها في التخلّص من «عقدة الأجنبي»، التي كبّلت الكثير من دولنا لسنوات، ومنعتنا من الانفتاح على العالم، بحجة أن الغرب ضدنا والعالم يكرهنا، والاستعمار والصهيونية يريدان تدمير عاداتنا، وتخريب قيمنا، وأنه علينا الانزواء والتقوقع خوفاً من الغريب، ومنعه من دخول الدار!
نجحت قطر في الانفتاح على العالم أجمع، وأن تحتضنه، وتقدمه لقيمنا التي نعتز بها، ونجعله يتقبلها ويسعد بها. وهذا هو النجاح الأهم، فمتى نتعلم منها أم سنبقى صامتين صامدين في شرنقتنا، رافضين الخروج منها، والانطلاق إلى فضاء الحرية والمساواة والإخاء الرحب؟
وأخيراً، لو كنت مسؤولاً عن مالية الدولة لما ترددت في صرف مئتي مليار دولار لفك التحالف مع القوى القبلية والدينية المحافظة جداً، والانطلاق بالكويت نحو رحاب الحرية والتقدم.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw