قصتي مع «أجيليتي».. وقصتها مع الحكومة
يفترض أن الكويت دولة رأسمالية، نظاماً وأسلوباً وتاريخاً ودستوراً، ولكنها في الواقع تبدو وكأنها دولة اشتراكية، حيث تمتلك الحكومة كل سواحلها، بخلاف مساحات بسيطة. كما تمتلك كل الأراضي التي يفترض أنها مناطق نفطية أو بها احتياطيات نفطية أو غازية. وتمتلك كامل المياه الإقليمية، وكل الأراضي الزراعية والرعوية والبيئية، وكل الأراضي المخصصة للصناعات الخفيفة والثقيلة، وكل الورش الصناعية وإصلاح المركبات، والأسواق المركزية والمخازن العامة، وحتى غالبية الأراضي المقامة عليها المنتجعات والنوادي الصحية وغالبية المستشفيات، والمولات، مثل سوق شرق والمارينا ومول 360 وغيرها، يعني تقريبا %99 من مساحة الكويت البالغة 18 ألف كلم2.
***
بسبب ترهّل وقلّة خبرة وعجز أجهزة الدولة الإدارية قامت الحكومة، في مراحل مختلفة، بتسليم أجزاء من أملاكها للقطاع الخاص، لكي يقوم بتجهيزها والصرف عليها لتكون بخدمة مختلف الاستخدامات، وتم التنازل عن مساحات ضخمة بما يشبه الهبة أحياناً أو بالتراضي، أو بنظام الـ«بي أو تي» b.o.t، على أن يعود المشروع وما بُني عليه للدولة بعد فترة معينة. أما القسم الأكبر من الأراضي فقد قامت الحكومة بتأجيرها، منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي، للأفراد والشركات لاستخدامها مخازن ومعارض وورش سيارات في الشويخ والري وغيرهما!
***
ومع زيادة الحاجة للمساحات التخزينية، وعجز هيئة الصناعة عن تلبية الطلبات، قامت الحكومة عام 1979 بتأسيس شركة المخازن العمومية، التي أصبح اسمها تالياً «أجيليتي»، لتقوم باستئجار مساحات كبيرة من أراضي الدولة، وتقوم باستصلاحها، مع البنية التحتية، وتأجيرها للغير، وتحقيق ربح لمساهميها!
***
مع زيادة كسل هيئة الصناعة وعجزها، سلمت أراضي أخرى للمخازن العمومية لتقوم بإدارتها، من دون ضغط من أي طرف.
ولسبب معروف قررت الحكومة زيادة الدخل من أراضيها المؤجرة للمواطنين في شكل أراضي تخزين وشاليهات ومزارع وورش صناعية. كما قررت، لسبب غير معروف، بالنسبة لي، إلغاء عقود إيجار المخازن مع «أجيليتي»، وزيادة الإيجارات عليها، وربما الحلول محلها في تأجيرها للغير، وهذه سابقة غريبة بالفعل، وستخلق مشاكل تخزين وإشكالات قضائية، فالكثير من عقود أجيليتي، إن لم يكن كلها، لا تزال قانونية ولم ينتهِ أجلها.
لدى هيئة الصناعة عشرات ملايين الأمتار غير المستغلة، ولدى وزارات أخرى ما يماثلها من أراضٍ ليست بحاجة لها، ويمكن إنشاء شركات تخزين عدة مساهمة عامة لتنافس «أجيليتي»، وهذا سيؤثر إيجاباً في أسعار التأجير فتنخفض، لمصلحة المستهلك، فما الذي يمنع الحكومة من القيام بذلك بدلاً من اللجوء للاستيلاء على أراضي «أجيليتي»، والإضرار بمساهميها؟
أكرر حبي المفقود لـ«أجيليتي»... لكني مع الحق!
للعلم: «أجيليتي» شركة مساهمة، تمتلك قرابة 600 مكتب تمثيلي في 120 دولة، لتقدم الخدمات اللوجستية والتخزين والبنية التحتية للقطاعات المختلفة والحكومات ووكالات الأمم المتحدة، ولديها 32 ألف موظف، وعوائد سنوية تزيد على 6 مليارات دولار.
كما حققت نتائج باهرة لمساهميها، بحيث أصبح سهمها الأفضل في السوق، وأصبح اسمها ماركة عالمية، وبإمكان الحكومة الاستحواذ عليها بالكامل، إن هي رغبت، فلديها وسائلها الخاصة، لكن لا يجوز الإضرار بها وبمساهميها، وهي في قمة نجاحها!
ملاحظة أخيرة: ليس لدي دينار واحد مستثمر في هذه الشركة، وبيني وبينها «ود مفقود»، ولكن الحق أولى بالاتباع!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw