الحمامة والنفاق الديني
في أحد المعابد الهندوسية القديمة عاش سرب من الحمام في سعادة. ومع بدء تجديد المعبد، انتقل لسطح كنيسة قريبة. واستوعب حمام الكنيسة القادمين الجدد بكل لطف.
مع اقتراب أعياد الميلاد قرر الراعي تجميل الكنيسة، فاضطر الحمام للبحث عن مكان آخر. وتصادف وجود مسجد قريب، وكالعادة استقبلهم حمام المسجد بسعادة. ومع قدوم رمضان، تطلب الأمر طلاء المبنى، وحينها كان العمل في المعبد قد انتهى فانتقل كل الحمام للعيش على سطوحه، بكل أمانٍ.
***
ذات يوم نشبت أعمال عنف طائفية في ساحة سوق المدينة، فسألت حمامة أمها: من هؤلاء؟ فقالت لها إنهم بشر. فسألتها: ولماذا يتشاجرون؟ فقالت الأم: لا أدري، لكن الذين يذهبون إلى المعبد يسمون «هندوساً»، والذين يذهبون للكنيسة يسمون «مسيحيين»، ومن يذهبون إلى المسجد يسمون «مسلمين».
فقالت الصغيرة: لماذا الأمر كذلك؟ عندما كنا في المعبد كنا نسمى بالحمام. وعندما انتقلنا للعيش في الكنيسة، كنا حماماً، وعندما انتقلنا للمسجد، بقينا نسمى بالحمام، لماذا لا يكونون بشراً فقط أينما ذهبوا؟
فردت الأم: لأننا جميعاً عرفنا الله من عيشنا في الأعالي، ولهذا السبب نعيش في سلام. وهؤلاء في الأسفل غالباً لم يختبروا الله بعد، ومن ثم يعيشون تحتنا ويتصارعون، ويقتل بعضهم بعضاً!
***
من ينظر لأحوالنا ولبيوتنا وشوارعنا ومساجدنا، من علٍ، وعدد من يهرعون للصلاة ومن يؤدون واجبات الدين ويحرصون على دفع الزكاة، واكتساب الأجر من المشاركة في العزاء، والتزاحم في مواسم الحج والعمرة، يتساءل، وغالباً بينه وبين نفسه، إذا كنا بالفعل بهذا التدين ومخافة الله وطلب رحمته ومغفرته، فمن الذي يرتكب منا كل هذه الجرائم بعضنا بحق بعض، وبحق الغير؟ ومن أولئك الذين يطلبون الرشاوى في أعمالهم، ويتقاضون رواتبهم على غير عمل، هل هم أشباح لا نعرف عنها شيئاً؟
واضح أن التدين لا علاقة له بالأخلاق، وهذا ما نراه من رعونة وتهور في الطرقات، وفي الإشراف على أعمال المقاولين، وفي التوريدات الخربة، وفي غش البضائع، وفي عشرات المخالفات الخطيرة الأخرى. فالالتزام الصارم بأداء الفرائض، لم يمنع الغالبية من ارتكاب انحرافات جسيمة، والإساءة في معاملة الغير، والكذب والنفاق وظلم المرؤوسين، وسرقة المال العام.
المشكلة الحقيقية، أو المرض الحقيقي الذي يشكو الكثيرون منه، كما بين الكاتب علاء الأسواني في مقال قديم له، أن المتدينين الصادقين، في غالبيتهم، يمارسون انحرافات، ولكن دون أن يؤلمهم ضميرهم الديني. وأن ذلك يؤدي بالضرورة لشيوع الكذب والغش والنفاق، لكن البعض يقول إن الشكل والعبادات أركان مهمة في الدين تماماً مثل الأخلاق، وهذا صحيح، فالأديان وجدت للدفاع عن القيم الإنسانية، ولكن الفضيلة تتحقق فقط بطريقتين لا ثالث لهما: إما تدين حقيقي مرادف تماماً للأخلاق. وإما عن طريق الأخلاق وحدها حتى دون استناد إلى الدين، وهذا ما نراه متمثلاً بكل وضوح في عشرات المجتمعات المتقدمة كالأوروبية واليابان!
***
من كل ذلك لم أفهم السبب الذي دفع البعض للتصدي وتبرير التناقضات في مواقف النواب الوزراء، وغيرهم في حكومات سابقة، قبل التوزير، وبعد أن أصبحوا وزراء، بكونه ينسجم مع مبدأ «التضامن» الحكومي!
إنه من الأفضل، برأيي، العيش في مجتمع بأخلاق عالية، وغير متدين، على العيش في مجتمع متدين وبلا أخلاق؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw