المقارنة المرهقة

من الصعب، عند التفكير والبحث عن سبب تردي أوضاعنا، عدم المقارنة مع تجارب الدول الأخرى، وبالذات سنغافورة، التي كانت، حتى قبل ستين عاما فقط، جزيرة صغيرة مهملة تحكمها بريطانيا، ثم أعطتها استقلالها، ومعها الملايو عام 1957. وبعدها بعامين اتحدت الدولتان، لكن فقر الجزيرة الشديد، وحجم مشاكلها الهائل، وانتشار عصابات الإجرام المخدرات فيها، دفعت الملايو، ماليزيا تاليا، لأن تشجعها على الانفصال عنها، لما كانت تشكله من عالة مكلفة وخطرة عليها!

تسلم رئاسة الوزراء في الجزيرة المستقلة حديثاً، والتي لا تمتلك شيئاً، رجل الدولة الفذ والمحامي القدير «لي كوان يو» فحولها لدولة معجزة، في كل شيء تقريبا، وأصبح تقدمها يقاس، في كل المؤشرات، بالدول الغربية الصناعية، وتتجاوزها في بعضها.
***
تتبع سنغافورة نظاماً سياسياً حرًّا جزئياً وهجيناً، ويشبه نظامنا. كما تهمين حكومتها على كل شيء، وانتخاباتها تجري على أساس تعدد الدوائر الانتخابية وبنظام الانتخاب الفردي. وتبلغ مساحة سنغافوة 700 كم2 فقط، مقارنة بمساحة الكويت التي تبلغ 18 ألف كم2 تقريباً.

مواطنو سنغافورة ينتمون لأعراق وأجناس وديانات وخلفيات ولغات متعددة، والغالبية صينية، ومع هذا يتعايشون بسلام، تحت مظلة القانون والعدالة، ويتحدثون بأربع لغات رسمية، واللغة الإنكليزية المشتركة بين الجميع هي الخامسة والأهم، وتؤمن الدولة بحرية الاعتقاد.

أما عندنا فاللغة واحدة، والدين واحد، وأعراق وخلفيات الأمة معدودة، ومع هذا لا يطيق أحدنا الآخر!
***
تبلغ نسبة غير المقيمين فيها %42 مقابل أكثر من %70 في الكويت. ويبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة، مقارنة بـ 4.5 ملايين في الكويت. ومع هذا يبلغ الدخل القومي لهذه الجزيرة المتناهية في الصغر، التي لا تمتلك نقطة بترول واحدة، ولا أية موارد طبيعية 560 مليار دولار، مقارنة بدخلنا البالغ 250 مليار دولار. ولها احتياطيات تقارب 300 مليار دولار.

يبلغ متوسط عمر الفرد في سنغافورة 84 سنة، والمتوسط لدينا 74 سنة. ويبلغ معدل التضخم فيها الصفر، بينما عندنا يتراوح بين %3.5 و%4، وهي من أكثر الدول عولمة، ونحن الأقل عولمة.

كما أن جودة الحياة فيها عالية، فهي الأفضل في آسيا. ولا داعي لمقارنة وضعنا بها.

تشتهر سنغافورة بالشفافية في كل أعمالها، وهي تصف الأعلى في العالم. كما أنها الأقل عالميا في الفساد، ونحن عكسها، الأقل شفافية، والأعلى فساداً!

لديها أفضل نظام قضائي في آسيا، تليها اليابان وكوريا الجنوبية!

أما الكويت فنحن فقط نقع في قارة آسيا.

في التعليم يحتل طلبتها المراتب الخمس الأفضل كل عام تقريبا. وطلبتنا يحتلون المرتبة الأفضل أيضا، ولكن في الغش، وبرعاية بعض أولياء الأمور وبعض المدرسين.
***
سر تقدم سنغافورة، كما ورد على لسان البروفيسور والدبلوماسي السنغافوري kishore mahbobani يعود لأمور ثلاثة يشار لها بالأحرف التالية mph.

الأول يعني merit-ocracy أي اختيار الأفضل لشغل المناصب الحكومية. فخراب الدول يبدأ بتعيين الجهلة في أعلى المناصب.

ويشير الثاني إلى pragmatic وتعني العملية البرغماتية، أي عدم الالتفات لعرق أو دين أو لغة أو شكل المتقدم للوظيفة، بل فقط النظر لكفاءته وقدرته على إنجاز العمل.

والآخير، الأهم والأكثر خطورة، فهو honesty أو الأمانة التي خرب غيابها المجتمعات. فعدم الأمانة لا يتمثل فقط في سرقة أموال الدولة، بل في أمور كثيرة أخرى، منها تعيينات أقارب المتنفذين، والفروقات الهائلة في رواتب موظفي الدولة وغيرها الكثير!

وربما كل ما نحتاجه في هذه المرحلة الدقيقة هو تطبيق هذه المعايير الثلاثة.

ويا مطوطي في جليب!!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top