ستمر الإنسانية هذا العام بواحدة من أخطر المراحل في تاريخها، حيث ستتضاءل فيها الحاجة إلى الإنسان، وسيزيد الاعتماد على الآلة، وتحكمها بكل مجريات حياتنا، بعد أن كنا المتحكمين، حيث ستكون لها قدرات إبداع وتفكير تزيد بملايين المرات عن قدرتنا على الإنتاج والتفكير! ولن يمر هذا العام قبل أن نرى بصمات الـai أو الذكاء الاصطناعي، الذي يقع تحت مظلته عالم جديد من الاختراعات والتصورات الحسية واللامحسوسة.

تكمن خطورة برامج وروبوتات الذكاء الاصطناعي في قدرتها على «تعليم» نفسها بنفسها، والتخطيط للمستقبل، وتجنب الوقوع في الخطأ، وقدرتها على قراءة أفكارنا، بتحويلها إلى كلمات، وهذا فقط جزء من الثورة العلمية القادمة!

يقول sundar pichai رئيس غوغل، لبرنامج minutes 60 الشهير، إن التطور القادم سيكون «طيباً وسيئاً»، كما هي طبيعة البشر. وإن الثورة قادمة بسرعة أكبر مما نتصور، وقد لا يكون المجتمع (يقصد الغربي، دع عنك رد فعل مجتمعاتنا البائسة)، مستعداً لما هو قادم! وإن نظام yard، الذي يمثل جواب غوغل علىchatgpt الخاص بمايكروسوفت، لن يكون مجرد جهاز بحث هائل السرعة، بل أداة إبداع وخلق مميزة قادرة على تقديم مجموعة من الاقتراحات لنص خطبة تلقى في جامعة مثلاً أو مصنع، وبطريقة أسرع بآلاف المرات من قدرة أي إنسان، وبطريقة أكثر دقة وروعة. كما يمكن طلب تلخيص الكتاب المقدس، مثلاً، في جملة من سبع كلمات، وترجمة الجملة إلى اللغة اللاتينية، مثلاً، وسيكتمل ذلك في 9 ثوان. كما سيكون بمقدور البرنامج كتابة قصة قصيرة، بنهاية محزنة، وأخرى بنهاية سعيدة، وفي ثوان أيضاً!

يقول نائب رئيس غوغل إن ai سيمكننا من تغيير نمط تفكيرنا، وطريقة التصرف إزاء أية مشكلة، وحتى طريقة كلامنا، وإن الوقت الذي سيتطلبه روائي موهوب لكتابة قصة رائعة، كاف لأن يقوم البرنامج بكتابة مليون رواية مماثلة لها!

وتوقع أن الكثيرين سيفقدون عملهم، وستخلق وظائف جديدة، وستتغير طبيعة بعضها، ليمتد الأثر إلى كل ما تنتجه العقول في غرف العمليات والحروب والمصانع وتصاميم المنتجات، وسيكون بمقدور العلماء في المختبرات، والأطباء والصيادلة أداء أعمالهم بطريقة أفضل بكثير، حيث سيكون أمامهم ملخص علمي لما يجب عليهم القيام به في اليوم التالي من عمليات جراحية وغيرها، وتحقيق أفضل النتائج.

كما يتمثّل أكبر خطر للذكاء الاصطناعي على البشرية في تطويره بطريقة لا تتماشى مع القيم والأهداف الإنسانية، وهذا قد يدفعه إلى التصرف بطرق ضارة بالبشر، حيث يمكن برمجة النظام، بهدف تعظيم هدف معين، مثل الربح، وهنا ستتخذ إجراءات لها عواقب غير إنسانية، كطرد العمال، أو التسبب في ضرر بيئي. وقد يتسبب ذكاؤها الخارق في تجاوز الذكاء البشري، بحيث يعجز الإنسان عن السيطرة عليها أو التنبؤ بما ستقوم به. وقد يصبح الأمر كارثياً إن قررت البرامح أن مجموعة بشرية تشكل تهديداً لأهدافها أو قيمها، وبالتالي يجب القضاء عليها، أو يستخدم البرنامج لتطوير أسلحة مستقلة يمكن استخدامها لاستهداف مدنيين محددين، أو القيام بأعمال أخرى غير أخلاقية.

كما أن أجهزة أو برامج الـai تقوم حالياً بتعليم نفسها مهارات جديدة، لم يطلبها الإنسان منها أصلاً، ولم تكن بمتناوله، وليس معروفاً حتى الآن الكيفية التي تقوم بها هذه البرامج أو الروبوتات بذلك، وهذا يشكل مصدر تخوف كبير لدى الكثيرين، وهذا دفع جودفري هنتون، الشهير بـ«أبو الـai»، إلى الاستقالة من عمله مديراً في غوغل، مبدياً قلقه من مستقبل هذه التقنية المخيفة، ومن أن هذه الآلات والبرامج ستصل قريباً جداً لأن تصبح أكثر ذكاءً منا.. بكثير!
***
أثناء كل ذلك، قامت مدرسة للبنات بتوزيع جوائز تقدير لطالباتها المتفوقات في «لبس الحجاب»، وسط ترحيب من ثلاثة أرباع الشعب.. الجاهل!
***
ملاحظة: سأقوم مساء اليوم (الأحد)، السابعة مساء، بالتحدث في موضوع كتابي الأخير «70 نصاً.. في ١١ سنة.. عن 70 عاماً من الولع»، في ديوانية السفارة اللبنانية في منطقة السفارات بمنطقة الشعب.. سيسعدنا حضوركم.

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw