الخميس وكروية الأرض

يقول عثمان الخميس، الداعية الذي أصبح في شهرة من سبقوه من «نجوم الدعوة» في السعودية ومصر وغيرهما، في رد على سؤال عن الكيفية التي يجب أن يرد بها على من يعتقد بأن الأرض مسطحة، وأن ما تقوله وكالات الفضاء عن كروية الأرض.. كذب، ضحك الداعية عثمان للسؤال وقال إنه غير مؤيد لمن يقول بأن الأرض مسطحة، ولا مع من يقول إنها كروية، وإن المسألة لا تستحق الاختلاف عليها! وان جميع من قالوا إنها مسطحة أو من قالوا إنها كروية «لا دليل قاطعا لديهم»، والمسألة بالتالي تحتمل القولين، ومن أخذ أحدهما، لا يشنع، أي يجب ألا يتعرض للأذى!
***
طوال مئات السنين أهين عشرات آلاف البشر، غير من قُتل وعُذب وكُفر، في مختلف ثقافات وديانات منطقتنا وأوروبا، لمجرد أنهم تجرؤوا على القول بكروية الأرض، ليأتي الخميس ويقول بأن المسألة لا تستأهل، وأنه شخصيا ليس مع كروية الأرض ولا مع تسطحها، متناسيا، أو متجاهلا النصوص الدينية من جهة وما يقوله العلم من الجهة الأخرى، فهل يعتقد مثلا أن الأرض مكعبة أو سداسية الأضلاع، أم ماذا؟

الطريف فيما قاله بأن لا طرف من الطرفين لديه دليل قاطع على ما يقول، وان حتى كلام علماء الفضاء لا يشكل دليلا على كروية الأرض!
***
مررت بتجربة شخصية قبل أكثر من ستين عاما، وأنا جالس، بجانب سيارة والدي، بانتظار خروجه من زيارة مريض في المستشفى الأميري.

كان الطقس يومها رائعا، ومياه البحر رائقة كالزيت المسكوب في إناء ضخم، ولا أدري ما الذي دفعني لحظتها للتفكير فيما قرأته أو سمعته، قبلها بأيام في المدرسة، عن كروية الأرض، وكيف يمكن أن تكون كذلك، وصعوبة تخيل عدم انسكاب مياه البحار والأنهار في الجانب السفلي من الأرض، مثلا؟ أو طريقة سير الناس في أستراليا، وهم معلقون، ورؤوسهم إلى الأسفل وأقدامهم ملتصقة بالأرض فوقهم؟

رأيت في الأفق البعيد، وأنا سارح في أفكاري، ما يشبه العصاة البارزة على سطح الماء، فظللت أراقبها وهي تدنو من الساحل وهي تكبر، ويزداد طولها، وكأنها عمود خارج من البحر، ثم تحول لما يشبه قلما مغروسا في وسط جسم طاف كبير، ولم يمر وقت طويل قبل أن أكتشف، أن ما كنت أشاهده لم يكن غير سفينة ضخمة متجهة للبر، والعمود لم يكن إلا صاريتها العالية.

تساءلت، بيني وبين نفسي، وكأني «إسحق نيوتن» عصره، لماذا رأيت في الأفق صارية السفينة، أو العمود الذي يحمل أشرعتها، قبل رؤية جسد السفينة، الأكبر والأكثر ضخامة من الصارية.. بدرجات؟ استمرت تساؤلاتي قبل أن أصل لنتيجة مفادها أن السبب يعود لكروية الأرض، فلو كانت مسطحة لكان من المنطقي رؤية السفينة، ككل، وهي مقبلة نحوي، قبل رؤية الطرف الأعلى من صاريتها، ثم كامل الصارية ومن بعدها جسم السفينة كاملا، والسبب لأنها كانت تأتي من منحدر، أو انحناء يمثل أو يثبت تكور الأرض!

سعدت بما توصلت له من «نتائج علمية» وقررت أن أخبر والدي بالأمر، عندما يعود، فلما سمع نظريتي، رد باقتضاب: «لا تأكل تبن وايد».. أي كثيراً.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top