لبنان الكويتي

قد لا يكون لبنان أكثر الدول فسادا، ولكن بعض أهله حتما الأكثر ذكاء في فسادهم، وقد تعلم الكويتيون منهم الكثير!
تكمن مشكلة لبنان، في جزء منها، في غياب التربية الوطنية شبه التام عن مناهج المدارس الخاصة، وغياب مادة التاريخ عن مناهج المدارس الحكومية، وهذا جعل قلة فقط تعرف وطنها وتشعر بالانتماء اليه، وهذا بالضبط ما تتجه الأمور له في الكويت! فخلال الحرب الأهلية التي اجتاحت غالبية لبنان لأكثر من 15عاما، كانت تمر أيام يلقى فيها المئات حتفهم في جزء من لبنان في معارك عبثية تستخدم فيها أشرس الأسلحة وأكثرها فتكا، في الوقت الذي تعيش فيه أجزاء أخرى منه، لا تبعد عن الأولى كثيرا، في عالم آخر لا يمت للحرب والهلاك بصلة! ولو لفت أحد نظر المحتفلين بما يحدث في الجانب آخر، لاكتفوا بهز اكتافهم علامة عدم الاكتراث، نتيجة جهل الكل بالكل! فما الذي يعرفه ابن بشري مثلا عمن يسكن الحاصباني، أو عيون قرقش أو عنجر، أو العكس؟ وهل تعني أي منطقة من لبنان للبناني شيئا، بخلاف منطقته، إن تهدمت أو احترقت أو ابتلعها البحر، وهو الذي لم يسمع بها من قبل، ولم تكن يوما جزءا من وجدانه الوطني؟ إن هذا الشعور بعدم اكثرات مواطني منطقة بمصير غيرها، لا يقتصر على فئة ما، بل يشمل الجميع، وبالدرجة نفسها تقريبا. وقد خبرت ذلك بنفسي، من أسئلتي لمئات اللبنانيين، من أهل وأصدقاء ومعارف، وإخضاعهم، من دون علمهم، لتجارب وأسئلة محددة.
نرى مثلا أن لبنان يشكو منذ عقود من مشكلة انقطاع الكهرباء، التي تفاقمت مع الحرب الأهلية، وصراع المصالح! فكل من تولى الوزارة أنعم على نفسه، وحزبه، بشيء من خيراتها! ويقال ان الوزير إيلي حبيقة خرج منها بمئات الملايين، ولكنه لم ينعم بها، حيث اغتيل في موجة الاغتيالات التي اجتاحت لبنان قبل سنوات، وربما كان الوحيد الذي لم يكترث لموته أحد. وقد اخبرني صديق بأن حكومة خليجية قررت قبل سنوات المساهمة في التخفيف من مشكلة الكهرباء في منطقة جبلية، وبناء محطة توليد فيها، وما أن سمع مسؤول لبناني كبير في وزارة الكهرباء بالخبر حتى قام بزيارة الدولة الخليجية طالبا منها تأجيل المشروع، ولو لبضع سنوات، لكي يسترد ما استثمره في شراء عدة مولدات كهرباء ضخمة تقوم بتغذية المنطقة نفسها بحاجتها من الكهرباء! ومعلوم أن الحكومة اللبنانية لا تحقق اي عائد مادي من توليد الكهرباء للمواطنين وبيعها، فهي إما مسروقة أو مدعومة، ولكنها حتما تحقق الشيء الكثير من استهلاك المواطنين والشركات لوقود المازوت المستورد، وبالتالي هي ليست في عجلة من امرها لحل مشكلة الكهرباء، ولو أن القانون الأخير يقول شيئا غير ذلك، أو هذا ما نتمناه!
***
ينشر بالتزامن مع «المدى» العراقية

الارشيف

Back to Top