تطعيم الدول
لا يمكن التعلل بالخصوصية أو الحرية الشخصية عند تعلق الأمر بصحة الطفل وسلامته عقليا أو بدنيا، فتعليمه وتطعيمه ضد الأمراض فرض اجباري لا خيار للوالدين فيه. كما منع القانون، في المجتمعات المتقدمة، ضرب الأطفال، كطريقة تربية، وللسلطة حق التدخل لمنع حدوث ذلك، ولو بالقوة، فالطفل في نهاية الأمر مسؤولية الدولة، ويصبح عالة عليها ان لم تهتم برفاهيته وهو صغير، فقد ثبت أن الطفل الذي تساء معاملته جسديا في صغره اكثر عرضة للاصابة بالاكتئاب المميت في كبره، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول، فلا يعقل أن يتصرف حاكم مع شعبه فتكا وتنكيلا، ويترك لحاله. فهنا يحق لـ «الشرعية الدولية» التدخل لانقاذ هذا الشعب من هذا الدكتاتور او تلك الأسرة، نقول ذلك بصرف النظر عن حقيقة نوايا الدول التي قد تساهم أو تخاطر بالتدخل في الدول الأخرى، فلم يسبق لهذه الشرعية أن فكرت مثلا في التدخل في السويد أو النرويج أو سويسرا، لتخليص شعوبها من بطش حكامهم. وبالتالي على الرئيس أو الحاكم، الذي لا يريد من الآخرين التدخل في شؤونه وشؤون دولته، احترام نفسه والتقيد بالمواثيق الدولية وحقوق مواطنيه الانسانية! وهنا لا يمكن الاعتراض أو الاحتجاج بالقول، ان تدخل الشرعية الدولية في دول مثل ليبيا أو أفغانستان أو العراق والكويت وغيرها، هو تعد على سيادة هذه الدول، ونوع من الاستعمار، فتطور الأحداث استوجب تدخل العالم الحر، لانقاذ المواطن من بطش الدكتاتور، ولا مبرر هنا للتردد في تأييد هذا التدخل بحجة أن جهة متطرفة أخرى ستستولي على الحكم، فهذا مبرر غير مقبول، وما يعطي اي حكومة الحق أو الشرعية في اجبار الاب على تعليم ابنه او تطعيمه ضد الشلل أو الامتناع عن ضربه، هي الشرعية نفسها التي تعطي المجتمع الدولي الحق في التدخل بشؤون الدول الأخرى وتخليص شعوبها من حكامها الفاسدين، سواء تعلق الأمر بحكم في سوريا، ليبيا، مصر أو ايران أو غيرها، فالخيط الذي كان يربط حبات السبحة قد «انفرط» ولن يتوقف تساقطها، الواحدة تلو الأخرى!.