المحامي والمحاسب
تمتلئ الكثير من المهن الرفيعة بمن لا يستحق الانتماء اليها، والسبب في ذلك يتمثل في جانب منه في عدم وضوح أو غياب القوانين المنظمة لأخلاقيات ممارستها، كالطب والمحاماة والمحاسبة، وفتح هذا المجال للمحتالين وللمتطفلين ليعيثوا في هذه المهن الرفيعة فسادا! فعدد من كبار مدققي الحسابات يمتلكون مصالح تجارية ووكالات معروفة، وهذا يتعارض، أخلاقيا وقانونيا، مع طبيعة مهنهم، خاصة عندما «يتصادف» قيامهم بتدقيق حسابات شركات منافسة لهم! ولكن يبدو أن مشرعينا أكثر انشغالا بتعديلات كوادر وكواعب رواتب موظفي الدولة منهم لهذه الأمور الخطرة. كما يشعر الكثيرون، بقلق واضح لتزايد عدد الجرائم التي يكون أحد المحامين طرفا فيها، فالنسبة مقلة وبازدياد، ولا يبدو أن جهة ما ستتحرك لمراقبة سلوك هؤلاء أو ما ارتكبوه من جنح وجرائم خطرة، أو على الأقل تطبيق عقوبات على المسيئين للمهنة منهم. وقد نشرت القبس في آخر مايو الماضي تحقيقا مرعبا تبين فيه تورط 75 محاميا، وخلال فترة 5 أشهر فقط، في جرائم تزوير في محررات رسمية وتقاضي اتعاب باهضة والتعدي على موظفين عامين، هذا بخلاف قيام البعض منهم باستغلال الظروف الأسرية السيئة لبعض موكلاتهم.
وعلى الرغم من ان تحقيق القبس خلص إلى أن المسؤولية تقع على عاتق جمعية المحامين، التي تبدو مترددة في تفعيل دورها ومعاقبة أولئك المحامين الذين صدرت بحقهم أحكام نهائية وشطب عضويتهم، فإن موقف الجمعية برأينا هو تحصيل حاصل لخطأ الحكومة، أو السلطة بالذات. فهذه هي التي شرعت الأبواب وفتحت المجال ليقوم غير المؤهلين بممارسة هذه المهنة شبه المقدسة، سواء من خريجي الكليات غير المتخصصة أو ربما من خريجي جامعات غير معترف بها، وبالتالي لا يمكن أن تقوم جمعية المحامين، على الرغم مما تضمه من نخبة من كبار المحامين وأفضلهم وأصدقهم في ممارسة المهنة، بمعاقبة نفسها. ونعتقد بالتالي أن الحكومة هي الجهة المطلوب منها التحرك، وفعل شيء لإزالة الطارئين على هذه المهنة التي أصبح عدد ممارسيها يفوق الحاجة بكثير، وهذا سبب آخر لتردي أوضاع العاملين فيها وتكالبهم للحصول على القضايا، ولو باللجوء لفعل غير المستحب والمقبول.