برونو والوهم الأكبر
لا تختلف طريقة تفكير أو تعامل مجتمعاتنا اليوم مع العلم والعلماء عن طريقة تفكير أوروبا قبل 400 عام أو أكثر! فعندما جاهر الفيلسوف الإيطالي جيوردانو برونو (1600/1548)، برأيه في أن الشمس نجم كغيرها من النجوم، وأن هناك عوالم أخرى متعددة في الفضاء، مكملا مسيرة كوبرنيكوس، كان ذلك كافيا لأن تعتبره الكنيسة كافرا وتأمر بسجنه. وعندما أصر على آرائه بعد 6 سنوات من الحبس، قطعت الكنيسة لسانه وقتلته حرقا! جاء بعده العالم الرياضي والفلكي غاليليو غاليلي، ولم تزل أوروبا غارقة في أفكار وتقاليد عصور الظلام والإيمان بأن الأرض مركز الكون وأن النجوم والكواكب، بما فيها الشمس، تدور حول الأرض، وتوصل لاكتشافات فضائية خارقة تخالف ما جاء في الكتب الدينية المسيحية، ولكن المصير الذي لقيه برونو منعه من الجهر بها. وقد توصل لاكتشافاته بفضل توصله لاختراع التلسكوب الذي مكنه من قلب كل النظريات التقليدية القديمة، وتأكيد أفكار كوبرنيكوس عن النظام الشمسي. وقد تجرأ في عام 1632 ونشر آراءه العلمية وكان ذلك كافيا لأن تنقلب عليه الكنيسة بعد أن بين الصورة الحقيقية وراء ذلك المظهر الخادع والسطحي للأشياء الذي تريد الكنيسة التغطية عليه، وخاصة عندما ذكر بأن ما ورد في الكتاب المقدس عن مركزية الأرض يجب ألا يؤخذ به، فقد كان ذلك كافيا لأن تستدعيه محاكم التفتيش وتصدر بحقه أحكاما قاسية، وكان وقتها قد أصبح طاعنا في السن متعبا تلاحقه الأمراض والأوجاع، ولكن الكنيسة نجحت في إجباره على تغيير آرائه، وانتهى مغضوبا عليه، بالرغم من تخفيف الأحكام عنه، وتوفي عام 1642 بعد أن فقد بصره، وأنكروا عليه حتى دفنا لائقا. المهم هنا أن الكنيسة الكاثوليكية في روما اصدرت في عام 1992، أي بعد 400 عام عفوا عنه، واعترفت بصحة ما توصل إليه وبخطأ ما ورد في كتب اللاهوت عن مركزية الأرض وغير ذلك.
والآن، لو قارنا كم الوهم الذي أغرقنا «علماؤنا» فيه على مدى قرون، وكم الوهم الذي لا نزال نعيش فيه نتيجة مختلف المسلمات الخاطئة، فهل لدى أي جهة الجرأة على الاعتراف بذلك والاستعداد للتخلي عن هذه الأوهام؟ لا أعتقد ذلك، فالأرض، برأي علمائنا، لا تزال مسطحة وهي مركز الكون، وستبقى كذلك!