الوهم المفيد والحقيقة الضارة
لا يمكن أن يتحضر مجتمع بشري من غير جهد ووقت ومال، والأمم لا تتحضر وتتطور من غير سبب، أو محرك، وليس هناك أكثر أهمية من التعليم الصحيح لجعل التحضر والتطور ثابتين ومستمرين، وبالتالي يصبح للتعليم الفضل الأكبر ويقف وراء مثل هذا النوع من التطور النوعي في تركيبة أي مجتمع، وهذا التعليم لا يمكن أن ينجح بغير حفظ حقوق الجميع والاهتمام بالضمان الاجتماعي وضمان حرية الفرد بشكل مطلق. أما التقدم الحقيقي واللحاق بالأمم المتقدمة فيتطلبان إطلاق العنان للفكر البشري لينطلق إلى ما شاء.
ولو استعرضنا وضع دول العالم لوجدنا ان أفضلها على البشرية واكثرها تطورا وتحضرا وتقدما ومساهمة في الفكر الإنساني في الوقت نفسه هي الأقل تعلقا بالعقائد وبمعتقدات الماضي، والعكس صحيح، فكلما تخلف المجتمع زاد تمسكه بمعتقداته وتقاليده وأعرافه بسبب ارتباط معيشة نسبة كبيرة من المجتمع ببقاء مثل هذه المعتقدات من دون تغيير، فلو افترضنا أن جهة علمية موثوقة ما اكتشفت مثلا أن قبر السيد البدوي في مصر، الذي يحظى بما يقارب القدسية فيها، لا يحتوي على أي رفات بشرية، أو أي شيء آخر، فإن أول المشككين في مثل هذا الكشف العلمي هم الذين تعتمد مصالحهم ومعيشتهم، بل وحياتهم برمتها، على بقاء «الوهم» على حاله، فمجتمعاتنا بشكل عام تفضل «وهما مفيدا على حقيقة ضارة»! فمعيشة عشرات آلاف الأفراد، كسدنة المزارات والوكلاء والحراس واصحاب المحال التجارية في المنطقة ومصنعي وباعة التعاويذ والأدعية والتذكارات والمطاعم وشركات النقل واصحاب عشرات المهن الأخرى واسرهم، تعتمد بشكل كلي على بقاء الوضع، أو الوهم على ما هو عليه لأهميته للاقتصاد والمجتمع وحتى أمن الوطن!