عندما تغيب عقول من كنا نحب

ثارت ضجة قبل أيام إثر صدور قرار وزاري بوقف ابتعاث دراسة الطب والصيدلة في مصر والأردن!
 
هاجم جهلة ومتعلمون القرار، ولم أقتنع طبعاً بكل ما أبدوه من آراء معارضة، فمن يعتقد أن مستوى الدراسة، دع عنك الطب، في دولنا، بشكل عام، بخير، فهو بحاجة إلى فحص أجزاء محددة من عقله. فقد سبق أن حذّر د. عماد الدين راضي، وزير الصحة والإسكان في مصر، بأن كليات الطب في مصر تخرّج 9 آلاف طبيب سنوياً، 8 آلاف منهم لا يستطيعون ممارسة المهنة!

يشاء سوء الحظ، أن يلقى الطبيب والوزير السابق عماد الدين نهايته، قبل أيام قليلة، في أحد مستشفيات مصر، نتيجة «خطأ طبي»!
***
قرار وزارة التعليم العالي لم يكن مفاجئاً، كما حاول «البعض» الإيحاء به، فقد بدأت دراسة الفكرة عام 2018. كما سبقت القرار زيارات للجامعات في مصر والأردن، وجاءت تقاريرها، المبنية على دراسات مستفيضة، بعدم جودة تعليم الطب فيها.

كما سبق أن قامت «التعليم العالي» قبل 5 سنوات بتقليص عدد الجامعات المصرية المعتمدة من 30 إلى 7 فقط. وتقليص عدد المعتمد منها في الأردن إلى 5 بدلاً من 20.

كما كان وضع التعليم في دول متخلفة عدة، ومنها مصر والأردن، موضوعاً للكثير من المقالات، ومن السخف القول إن قرار الوزير الأخير جاء مفاجئاً.

كما كان لوزراء التعليم العالي السابقين، حامد العازمي، ومحمد الفارس، وعلي المضف، وغيرهم، دور فعال في ضبط تسيب الابتعاث لدراسة الطب في جامعات مصر والأردن. كما كان للأستاذ صبيح المخيزيم، مدير الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، دور أكبر في هذا الأمر، ويستحق التذكير به.
***
في توجه تصعيدي، عقب يومين من ظهور نتائج الانتخابات الأخيرة، قام 12 نائباً بالتدخل الفج في أداء السلطة التنفيذية، مدشنين هجمة شرسة وغير مبررة على قرار «التعليم العالي» القاضي بوقف الابتعاث للتخصصات الطبية إلى مصر والأردن، وطالب النواب، وبعضهم من فئة «يقرأ ويكتب»، الوزارة بإلغاء القرار، وهددوا باستجواب الوزير!

يمثل هذا التدخل قمة الجهل بعمل جهات متخصصة، ويكفي من خلال استعراض تاريخ وخلفيات «المهددين» أن صحة المواطن ومستوى الطب في الدولة هما من آخر همومهم، فهم لم يروا إلا «بعض الأصوات الانتخابية البائسة» التي ستصوت لهم، ان سمحوا باستمرار وضع التعليم الهابط!

كنت ربما، أكرر ربما، سأتعاطف مع هؤلاء النواب لو طالبوا مثلاً بتشكيل لجنة للنظر في قرار الوزير. أما تصرفهم بتلك الفوقية، فقد شكّل بحد ذاته دليلاً على أن المذمة، التي أتت من هؤلاء، هي الدليل على شبه كمال قرار الوزير! وليس مستغرباً عجز هؤلاء النواب، المتعمد، عن رؤية الحقيقة، ومصلحة الدولة والمواطن!
***
في مقابلة للوزير السابق عادل الصبيح، مع الصندوق الأسود، ذكر أن أي طبيب، مسؤول عن حياة البشر، يعين فوراً بوظيفة طبية، رغم أنف الوزارة، طالما أنه كويتي ومن جامعة معترف بها. وحتى إن رفضت الوزارة تعيينه، لسبب ما، فغالباً سيصدر له حكم بحقه في «وظيفة طبيب»!

وجد الأستاذ الصبيح الأمر مقلقاً، عندما كان وزيرا للصحة (1998-1996) فاقترح تطبيق نظام امتحانات المهنة على جميع من يعمل في المجال الطبي، كويتيين وغيرهم، قبل قبولهم كأطباء، بما فيهم خريجي جامعة الكويت! وقام بالفعل بإصدار قرارين وزارين بهذا الشأن، لكن «أيد خفية» عطلت تطبيقهما... حتى اليوم!

أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top