الديموقراطية والخبز

بعد كل نتائج برلمانية مخيبة، وكل تأخير في تنمية وتقدم الدولة وانفتاحها، وكل تأخر في اللحاق بركب الدول الناهضة، وكل فضيحة فساد مالي وفساد سياسي، ترتفع الأصوات مطالبة بوأد الحرية وإلغاء النظام الديموقراطي، والقبول بالحكم الفردي، نتيجة الجهل بما تعنيه الديموقراطية، أو لوجود ميول أو تطلعات استبدادية لدى بعض الفئات، وميلها لسلطة مركزية قوية، كما هو الحال في بقية الدول الخليجية، مع اعتقادهم بأن وجود قيادة موحدة تساعدها مجموعة صغيرة من الأفراد بإمكانها اتخاذ قرارات أفضل وأسرع للمجتمع، مقارنة ببطء اتخاذ القرارات في الأنظمة الديموقراطية، التي تعتمد على الحكمة الجماعية، والتأني في اتخاذ القرار.

كما يعتقد معارضو الديموقراطية أنها تتطلب مستوى معيناً من الوعي، الذي لا يتوافر لدى كل شعوب العالم الثالث، وبالتالي تكون قرارات الناخبين غير عقلانية غالباً. كما أن الشعوب المتخلفة يمكن أن تتأثر بسهولة بالنداءات العاطفية، خصوصاً القبلية والدينية والطائفية الضيقة، ويسهل خداعها بالمعلومات المضللة وجريها خلف المقترحات الشعبوية، حتى لو نتج عنها عجز أو إفلاس الدولة، في المدى البعيد، اعتماداً على قاعدة «اصرف ما في الجيب.. إلخ».

كما قد تتعارض بعض المعتقدات الثقافية أو الدينية مع المبادئ الديموقراطية، وهذا قد يدفع مجتمعات ما إلى تعزيز قيم تقليدية معينة على حساب القيم الديموقراطية، وتبنّي أنظمة بديلة، تتماشى بشكل وثيق مع معاييرهم المحافظة جداً. والأهم من ذلك رفض أفراد أو جماعات قوية للديموقراطية خوفاً على مواقعهم المتميزة من أن الديموقراطية قد تهدد سيطرتهم على الموارد أو الثروة أو النفوذ السياسي، فيفضلون الأنظمة التي تركز القوة في يد واحدة، أو قلة مختارة. لذا، تسعى هذه الجماعات، المعادية للديموقراطية، والعاجزة عن إلغائها، إلى تعقيد معاملات المواطنين، وخلق أنظمة روتينية قاسية، وحصر الاستثناءات بيد القلة، التي يصعب على المواطن العادي الوصول إليها، ودفعه بالتالي، سواء كان مواطناً جاهلاً أو متعلماً، إلى اللجوء، بطريقة مذلة، للنائب الأكثر جهلاً منه غالباً، لمساعدته في إنهاء معاملته، فيقوم هذا بالتزلف للمسؤول الأكثر خراباً منه، و«بإذلال» أكبر لينهي معاملات ناخبيه، وتتم العملية أحياناً بالصوت والصورة، من دون خجل أي طرف مما يحصل، غير مكترثين بأنها قد تكون دليلاً عليهم مستقبلاً، وهكذا يتم «تدجين» نسبة كبيرة من النواب، ليصبحوا مع الوقت من جوقة «نواب الحكومة» التي انتخبوا ليقوموا بمراقبتها ومحاسبتها.

وهكذا نجحت القوى المعادية للديموقراطية في دفع الناخب/ المرشح لاختيار المرشح/ النائب الذليل، الذي بإمكانه مساعدته في الحصول على «حقوقه»، وحتى ما ليس له حق فيه، وهذا يدفعه إلى اختيار من يكون من نفس الطائفة أو المذهب، وليس من يمثل الأمة، وهذا يعني أن هذا النهج سيستمر في كل انتخابات قادمة، طالما أن الحكومة عاجزة عن الوقوف بوجه سيل مطالبات النواب، من تعيينات وترقيات ومناقصات، بسبب رغبتها في كسب ودّهم على حساب المصلحة العامة، وعجزها، في الوقت نفسه، عن تطوير الإدارة الحكومية، الأمر الذي سيستمر في دفع الناخب للبحث عمّن ينهي معاملته الحكومية من الأبواب الخلفية، والنتيجة تخريب كامل ومتعمد لكامل النظام الديموقراطي، وإذلال المواطن والنائب وتخريب نفسياتهما، ثم يأتي من يقول إن الديموقراطية هي سبب الخراب!

الديموقراطية ليست فقط خيارنا، بل وأيضاً قدرنا. فمن الواضح أن جهات عدة لن تسمح لنا بالتخلي عنها، وبالتالي من الأفضل التعايش معها، وبذل الجاد من المحاولات لإصلاحها، بدلاً من لعنها، بغية إلغائها.

لعلم الصديق العزيز، إن ذهبت الديموقراطية، فسيكون عمودي الصحافي وعمود الزميل سامي النصف أول ضحايا تغييبها، وهذه أقل الشرور المتوقعة من غياب الديموقراطية، فليس بالخبز وحده يعيش الإنسان.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top