الكويت.. الوعاء الأخير

كل من يعتقد أن الإخوان تم قص أجنحتهم في هذه الدولة أو تلك، أو أنهم ضعفوا هنا ووهنوا هناك، وأفل نجمهم وضعفت همتهم أو خارت قواهم، مخطئ حتما، فهم في توسع مستمر، مع توقف بسيط هنا، وأخذ نفس هناك، فانتشارهم بيّن، وخطرهم محدق وقادم، وشرهم مؤكد، فمنهم انطلقت وستنطلق كل حركات التطرف، ولا مجال لوقف توسعهم والحد من استشراء شرهم بغير تضافر جهود كل القوى الكبرى، واعتبارهم حركة إرهابية ومقاطعتهم ووقف التمويل الخليجي، بالذات، عنهم!
 ***
كانت بداية الإخوان في مصر، وقريبا سيحتفلون بمرور قرن على تأسيس حركتهم، التي كانت شركة قناة السويس، الإنكليزية، أول من ساندتها، ماديا ومعنويا، ومن يومها لم يتركوا طريقة للتوسع إلا واتبعوها، سواء بالإقناع أو القتل أو الإفساد أو الخيانة، وغيرها.

ومن مصر تسللوا للسودان وبلاد الشام ودول شمالي أفريقيا، ووصل شرهم للكويت بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ومنها امتدت عروقهم الشريرة لبقية الخليج من خلال المساجد والمدارس ودور تحفيظ القرآن، ومع الوقت تمكنوا جيدا ونجحوا في استغلال الفرص لشفط المليارات، على مدى نصف قرن، والتي قدرتها في مقال سابق بأكثر من 55 مليار دولار، ولا تعلم جهة أين انتهت تلك الثروة الضخمة، لكن ما لا شك فيه أن جزءا كبيرا منها استُخدم في تمويل حركات العصيان والتمرد في مختلف الدول العربية، وتمويل حروب أفغانستان وتجنيد جنود من باكستان، وفي التوسع في دول أوروبا وأميركا وتركيا وبريطانيا، وفي كوسوفو، وتأسيس المشاريع الدينية وبناء المساجد وشراء شركات وسندات وأسهم، وكان آخر توسعاتهم «الاستراتيجية الناجحة» في البوسنة، الذي استغرق قرابة 30 عاما من النشاط السري، حيث نجحوا في التغلغل في مفاصل الدولة السياسية وأحزابها، فأصبحت ملاذا آمنا لهم، ومقرا لاجتماعات تنظيمهم الدولي، وتبين أهمية قرارهم بعد أن ضايقتهم تركيا، أخيرا، برفض منح جنسيتها لأكثر من مئة من العرب المطاردين من دولهم، وسعي الأتراك لتقليص أنشطتهم، ورفض منحهم جنسيتها، ومن هؤلاء الداعية المطارد، والمدان بالإعدام في مصر، الدموي وجدي غنيم.
***
لم تكن رحلة السيطرة في البوسنة عسلا، بسبب ميل الجماعة الطبيعي للفساد، فكل مال لا صاحب له، ولا رقيب عليه، يشجع «المؤتمنين عليه» على نهبه، فقد أُعلن، أخيرا، القبض على اثنين من رؤساء البلديات البوسنية بتهمة تسهيل بعض الأعمال لشركات خاصة تابعة للإخوان.
***
المأساة أو المصيبة التي لا يود أحد، تقريبا، في الحكومة الالتفات لها، والتي يصفها تربويون كبار بأنها أخطر من الغزو الصدامي، وأكثر عمقا في أثرها المخرب ما يتعرض له أبناء الكثير من الأسر الكويتية من خطر تجنيد أبنائهم في «كتائب» الإخوان، والجماعات الدينية الأخرى، كالسلفية والسرورية وغيرهما، التي أصبحت مقارها في الكويت، وأصبح لها نواب في المجلس، ويحدث كل هذا النشاط الدعوي، بعلم الحكومة أو بغيره، والجميع غير راغب للالتفات للخطر، وكأن هناك تعليمات بالسكوت عما يفعلونه بالشبيبة، لذلك نخشى أن تصبح الكويت المأوى الآمن لكل فكر ديني منحرف، حيث أصبحت مراكز الأحزاب الدينية ودور التحفيظ والمساجد هي الجاذبة للشباب، بعد أن كانت النوادي الاجتماعية والرياضية والفنية هي الجاذبة لهم.

إن الأدلجة الدينية التي يتعرض لها هؤلاء الشبيبة مسألة خطرة جدا وسندفع جميعنا ثمن سكوتنا عن هذا الخطر، الذي أصبح إيقافه، أكثر صعوبة، يوما عن يوم.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top