ليبرالية عبدالوهاب وحمد المفقودة
للمرة الأولى، منذ ستين عاماً من التجربة البرلمانية، يأتي مجلس أمة فريد يتصف بالأمور الثلاثة التالية:
أولاً: موافق ومنسجم، إلى حد الخضوع أحياناً، لكل مطالب الحكومة، بما في ذلك إدارة المجلس، مع استثناءات نادرة.
ثانياً: غلبة التشدد الديني على اتجاهات أغلبية أعضائه، ومسايرة البقية لهم، وغالباً لعجزهم عن الوقوف أمام تيار الغلو.
ثالثاً: خلو المجلس تماماً من أي عضو يمثل التيار الليبرالي، على الرغم من أنه التيار الأقوى، عددياً، والأضعف والأكثر سلبية من غيره، خصوصاً في المناطق الداخلية.
***
كنت أتوسم في النائبين حمد العليان وعبدالوهاب العيسى أن يمثلا شيئاً من وجهات نظري، ولكن يبدو أنهما انجرفا مع المزايدين ومع الغلاة، وأصبحا مثل غيرهما، يكثران من المطالبات ومشاريع القوانين المتشحة برداء الشريعة، وضرورة اتفاق كل أمر معها، على الرغم من علمهما بأن ما يطالبان به غير منطقي، وغير عقلاني، وغير قابل للتطبيق، ليس فقط لأنه مخالف للتيار العالمي العام، ولا لمخالفته لوضعنا المعاش، بل لأنه ضد الفطرة البشرية التي تنحو نحو الحرية والانطلاق!
***
من المقترحات الغريبة التي خرج بها علينا النائبان، اللذان ما زلت أكنّ لهما شيئاً من التقدير والاحترام، وآمل أن يعودا إلى تيارهما المدني، مشروع القانون الذي تقدما به والمتعلق بقيام الحكومة بالصرف على الراغبين في الحصول على شهادات الماجستير والدكتوراه، غير مدركين، غالباً، أن ما يطالبان به يشبه من يطالب الحكومة بصرف قرض إضافي لكل مواطن لبناء دور رابع أو خامس، غير مدركين أن الأساسات لا تتحمل أصلاً أكثر من طابق واحد. فالتعليم في الكويت، يا العزيزان حمد وعبدالوهاب، لم يبلغ هذه الدرجة من السوء من قبل أبداً، فلا المناهج بخير، ولا الأمانة والنزاهة في الاختبارات بخير، ولا الهيئة التدريسية تمتلك الكفاءة في أغلبيتها، ولا حتى مباني المدارس بخير. ولا أعتقد أن الكثير يخالفونني الرأي في أننا بلغنا الحضيض، تربية وتعليماً وخلقاً، وأن الأمر بحاجة إلى حركة انقلاب شاملة للنظام التربوي، وأن نتعلم كيف يمكننا السير أو المشي، أولاً، قبل أن نجهز الجناحين والذيل للطيران.
التعليم في خطر، وهذا يعني أن مستقبل الدولة بكامله في خطر، فقد قبلنا، شعباً وحكومة وبرلماناً، أن يجتاز 40 ألف طالب الاختبارات بالغش، ولم تحتج أية جهة رسمية على النتائج، ثم تأتيان وتطالبان الحكومة بأن تمول وتصرف على الراغبين في الحصول على شهادات دكتوراه، لا نفع ولا طعم لأغلبية من يحملها بيننا الآن، وسيزيد مقترحكما من أعدادهم «على الطل»، ولن يتغير وضعنا للأفضل حتماً إن أصبح لدينا عدد أكبر من حملة شهادات الدكتوراه، فنحن حالياً بحاجة إلى نظام تعليم أفضل، وليس لحملة دكتوراه وماجستير أكثر، مع الاحترام للقلة الصادقة التي تحمل هذا المؤهل، الذي أصبح مشرشحاً بين الأيادي! علماً بأن الجامعات المحترمة لن تقبل أغلبيتها طلبتنا لدراسة الدكتوراه فيها بسبب تدني مستواهم.
أنت يا عزيزي عبدالوهاب تمتلك قدرات جيدة، ومنطقاً سليماً، ونتمنى عودتك، وزميلك، إلى الدعوة للدولة المدنية التي تنتميان لها، وتتركان عنكما الدعوة لدولة التخلف والظلام.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw