مطار أبو مازن وشقة حولي
بدأت تجارة أبوحسين بالتوسّع من المال الذي ورثه من والده، قبلها كانت لديه شركة صغيرة يديرها مع «أبومازن»، الموظف الذي وجد فيه الأمانة والذكاء، فأسكنه في شقة صغيرة تمتلكها عمته، مكونة من غرفتي نوم وصالة، ليستمر العيش فيها لثلاثين عاماً، مع كل منغصاتها، ومتاعبها، وحتى بعد أن أنجبت له زوجته أربعة أبناء!
بعد صفقة كبيرة مع شركة «تركية»، حقق منها أبوحسين ثروة ساعده «أبومازن» في تحقيقها، فكافأه بنقله للسكن في فيلا قريبة منه، في حي راقٍ، تحتوي الشقة على أربع غرف نوم وحديقة وحمام سباحة وغرف للخدم، وفناء بحديقة، وسطح واسع، وتسهيلات لم يكن يحلم بها في شقته السابقة الشديدة التواضع، التي اعتقد يوماً أنه سيبقى فيها إلى أن ينتهي عمره.
واجهت أبومازن بضع مشاكل، مالية ونفسية واجتماعية. فهو من جهة لا يود الصرف كثيراً على البيت الكبير، ففرشه سينهي كل مدخراته. كما لا يستطيع من جهة أخرى الانسلاخ عن الأثاث القديم، الذي أصبح مع الوقت جزءاً منه لأكثر من ثلاثين عاماً. فهنا كان يجلس يومياً مع أرجيلته أمام التلفزيون، وهناك كان يعيش لحظات زواجه الأولى مع شريكة حياته، وعلى ذلك السرير كبر ابنه البكر «مازن»، وعلى طاولة المطبخ قضى أياماً، وهو يتناول أشهى المأكولات من يد أم مازن، وتغلب حنينه إلى الماضي، وصعب عليه فراق الأثاث، فالوفاء، أو حب الماضي، أو «النوستالجيا»، لكل شيء قديم، طبع في الكثير! كما أنه على أبنائه تغيير تصرفاتهم في الحي الجديد، وهذا ليس بالأمر السهل، والتوقف عن تبادل الكلمات المعيبة، فمستوى الحي يتطلب الابتسام للجيران، والحديث بلطف والتعامل كأكابر معهم، حتى لو لم يكن الآخرون أكابر أصلاً!
***
قصة أبوحسين مع أبومازن تشبه قصتنا مع مطارنا «اللادولي» الحالي، وقرب الانتقال للمبنى الجديد، فكلها سنتان أو ثلاث، وستمر سريعاً، وسنكتشف أننا لم نحضّر أنفسنا لشيء. فالمطار ليس مباني خرسانية، بل هو نظام متكامل. وليس مفروشات، بل هو ذوق وأسلوب. وليس استقبالاً وسفراً، بل هو تهذيب وتدريب على التعامل المؤدب مع المسافر، القادم أو المغادر، وحتى المار ترانزيت، فالجميع يستحقون الاحترام، بل هو ثقافة جديدة، مدعومة بتقنية متقدمة لم نعتد عليها، فقد عشنا لنصف قرن مع مطار يفتقد كل شيء، بلا استثناء، وهو ونحن بحاجة إلى نقلة حضارية قبل الانتقال للمطار الجديد، وهذه النقلة تتطلب سنوات من العمل، بإدارة جديدة، وفكر جديد، لا يمكن بأي حال أن يكون الفكر نفسه الذي أدار ويدير مباني المطار الحالي، لا بعقلياته، ولا بكل إدارة طيرانه المدني، فمطارنا، بشهادة آلاف المسافرين، وأضعافهم من المواطنين، والجهات الدولية والرقابية الأخرى، هو الأكثر سوءاً في المنطقة، ليس من ناحية المباني والأمن فحسب، بل وحتى المعاملة، الجافة والخشنة غالباً، مع كل قادم ومغادر، إلا ما ندر.
نتمنى، وليس لنا غير ذلك، أن يتم تسليم الانتقال إلى المطار الجديد لفريق محترف، ونسف كل ما هو موجود حالياً، والبدء من الصفر، واختيار وتدريب المئات، على التعامل بطريقة حضارية مع المواطن والوافد سواء بسواء، ونزع الصفة العسكرية عن المطار، وتحويله إلى جهة مدنية، مع إبقاء سلطة رجال الأمن من وراء الستار، فكاميرات المراقبة وأنظمة الأمان تقوم اليوم بالدور الأكبر في الحفاظ على أمن المطارات وليس البشر!
لكن هل يفهم أبومازن الغارق في النوستالجيا ذلك؟!.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw