الديموقراطية وزوّار الفجر
لست على استعداد للتضحية بحريتي في القول والحركة والتصرف، مقابل أن أحصل على أطول طريق، وأعلى مبنى، وأعظم مستشفى. فإن سُلبنا حرية التعبير عن الرأي، فسنصبح كالدواب التي تقاد إلى المسلخ.
***
في حيثيات حكم، صدر قبل سنوات، وتم تعزيزه بحكم مماثل من محكمة التمييز أخيراً، منعت المحكمة سحب جواز سفر مواطن، وتقييد حريته في السفر، ولا إطالة مدة حرمانه من التنقل والترحال، فهذه القيود تتنافى مع حقوق الإنسان، وعلى الحكومة قراءة الرسائل القضائية، والعمل بموجبها.
***
مع كل فشل تواجهه الأمة، برلمانياً أو تشريعياً أو حكومياً، ومع كل تأخير في إنجاز مشاريع طال انتظارها، ومع كل تقدم تحققه شقيقاتنا في الخليج، ترتفع نغمة المطالبة بالتخلص من الديموقراطية، والعودة إلى نظام ما قبل 1962، لأن الفساد أضعف الدولة، وأذل النفوس، وعرقل تنفيذ المشاريع، وأتعب الشرفاء، وأغرقهم في يأس عميق، وأفقدهم كل أمل في تحسّن الوضع، وأن الظروف التي نعيشها لا يمكن أن تتغير مع إصرار البعض على التمسك بديموقراطية هي غير حقيقية أصلاً، فلمَ كل هذه التضحيات من أجل التعلق بالقشور؟
***
لست، كالغالبية، راضياً عن تشكيلة مجلس الأمة، ولا عن العلاقة، شبه غير الشرعية، بين الحكومة وبعض أعضاء المجلس. ولست راضياً عن بقاء الدستور من غير تعديله لمزيد من الحريات، ولا أختلف مع من يرى أننا في قرارة نفوسنا لسنا ديموقراطيين، ولكن هذه «القشور الديموقراطية» الحالية تكفي لأن نتمتع بالحد الأدنى من الحريات، وهو ما لا تتمتع به دول كثيرة، وما يتبع ذلك من كرامة وعدالة وقضاء عادل، وحقوق مصونة، إلى حدٍّ كبير، وبغيرها كان الممكن جداً أن يبطش بنا بعض الأبناء، كما سبق أن بطش بنا بعض الآباء. فالوضع الحالي، على كلِّ مساوئه، أفضل بكثير من دكتاتورية غير عادلة، وقد تكون جاهلة، وقد يستحيل السيطرة عليها.
لا شيء يمنع الحكومة اليوم، والكل تقريباً يعلم ما نعنيه بالحكومة، من العمل، ووقف التناحر الداخلي وتسوية الأوضاع، وتنشيط الاقتصاد، ودفع المشاريع الإنمائية نحو التنفيذ، وإقرار مئات مشاريع القوانين المهمة، والقضاء على الفساد. وليس هناك أدنى أمل بأن حالنا سيكون أفضل بكثير، مع هذه الحكومة نفسها، لو تم التخلص من الديموقراطية. فالصراع الحالي من البعض على السلطة، وقلة القدرة على العمل، لن يستمرا فقط، بل ستزداد حدتهما بغياب الديموقراطية، وستكون أدواتهما أشد فتكاً!
تاريخياً، لم يعرف عن الأسرة، بشكل عام، إلا كل خير، ولم يعرف عن غالبية أفرادها الإثراء غير المشروع، كما أن أثرياء الأسرة قلة معروفة، ورأينا ورأوا ووعوا الوضع المادي الذي يعيشه بقية أفراد الأسر الأخرى، وهذا ربما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن غياب الديموقراطية سيجعل أحلام البعض في الإثراء قابلة للتحقيق، حتى وإن تم ذلك بطرق غير مشروعة، فلا محاسبة ولا قيود ولا موانع.
ما لا يعلمه البعض، أو يميل هذا البعض إلى تجاهله، أن الدستور هو العقد الاجتماعي والسياسي الذي يربط أسرة الحكم ببقية الأمة، وسيعتبر في حكم الملغى، إن غابت الديموقراطية، ومع غيابها ستختفي بقية مؤسسات الدولة، ولا ضمان، من أي طرف كان، بأن القانون حينها سيطبق على الجميع بشكل متساوٍ وعادل، كما هو الحال الآن، وإلى حدٍّ بعيد. وسيكون «القانون»، أي قانون كان، بيد الأجهزة الأمنية التي ستكون لها الكلمة العليا، فهي الأدرى بمصلحة السلطة، وهي الأدرى بمصلحة المجتمع، وهي الأدرى بمصلحة الفرد. وبالتالي لن يكون هناك سقف أو حدود لسلطة رجل الأمن، وستصبح المحاكم، التي كانت ملاذنا الدائم والأخير، لعبة بيدها.
«قد» نحصل على كل شيء حصل عليه غيرنا، إن اختفت الديموقراطية من حياتنا، وستكون هناك جسور ضخمة وشوارع رائعة طويلة، ومنتجعات ومسارح ومشاريع سياحية ضخمة ومطارات ومستشفيات أكبر ومدارس وحدائق غناء، ورياضة متقدمة، وحفلات عامرة، ولكن معها سيأتي زوّار الفجر، فهل هذا ما نصبو إليه؟
يا أسرة الحكم، ويا شعب الكويت، تمسكوا بديموقراطيتكم بنواجذكم، فحتماً لا ضمان هناك بأن البديل سيكون أفضل!
أحمد الصراف