الكويت.. لا لبريكس
تأسست مجموعة بريكس عام 2009، بهدف خلق تكتل جديد مستقل عن التكتل الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة. وكانت الدول المؤسسة هي الصين والهند وروسيا والبرازيل، قبل أن تنضم إليهم تالياً جنوب أفريقيا.
بداية، لا انسجام حقيقياً بين دول بريكس، فالصين والهند بينهما، منذ أمد طويل، تنافس قوي ومشاكل اقتصادية، وخلافات على الحدود. كما أن ما يجمع هذه الدول هو عدم الرضا عن سياسات أميركا، أكثر مما تجمعها المصالح المشتركة، كسعيها للقضاء على الفقر بين شعوبها، وتخلفها التقني عن الغرب، مع غياب تام لأية نظرة سياسية شاملة، علما بأن الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل تنعم بالديموقراطية، أما روسيا والصين فإن التسلطية تغلب عليهما. كما أن ما يفرقها أكثر مما يجمعها، لذا جاءت كل سابق بيانات اجتماعات هذه الدول، وبعد كل حدث ومؤتمر، ومنذ 15 عاما تقريبا، دبلوماسية وتحتمل مختلف التفسيرات.
تتمتع ثلاث من دول بريكس، الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، بعلاقات وطيدة مع الدول الغربية عموما، والولايات المتحدة تحديدا، وهي غير مستعدة لتأزيم علاقاتها، المثمرة حاليا، بمواقف عدائية للغرب، لإرضاء روسيا والصين. فالعلاقة بين الهند والولايات المتحدة عميقة جدا، وحجم التبادل التجاري بينهما تجاوز 150 مليار دولار، في آخر بيانات منشورة. وأميركا هي الشريك التجاري الأكبر للهند، والسوق الأكثر أهمية لصادراتها، ولم يكن غريبا دعم أميركا القوي لخط التجارة الجديد الذي سينطلق منها إلى أوروبا، مرورا بالإمارات والسعودية، والأردن و(إسرائيل)، وتنفيذه سيشكل عائقا أمام أية قرارات متطرفة قد تقرر دول بريكس الأخرى اتخاذها ضد أميركا مستقبلا. كما أن الولايات المتحدة هي المزود الأكبر لسلاح الجيش الهندي، وطالما وقفت معها في حروبها مع جارتها اللدودة باكستان، التي دأبت الصين على الوقوف معها.
وما يجعل موقف الهند، داخل بريكس، منحازا لأميركا العدد الضخم من مواطنيها الذين يعملون في الولايات المتحدة، والذين يقدر عددهم بخمسة ملايين، يحتل الكثير منهم مناصب بالغة الأهمية والخطورة، ويشكل وجودهم حائطا صلبا أمام أي احتمال لتدهور العلاقة بين البلدين.
كما يرى المراقبون أن علاقة الولايات المتحدة بالبرازيل لا تقل أهمية عن علاقتها بالهند، بل وتتجاوزها في بعض المجالات كحجم الاستثمارات الأميركية الضخمة في الصناعات البرازيلية.
أما علاقة الولايات الأميركية مع جنوب أفريقيا، فهي مميزة بالفعل، ولأسباب يطول تعدادها، ويكفي أنها البلد الأفريقي الوحيد الذي حظي بزيارات عدد لافت من الرؤساء الأميركيين.
قد ينتهي المطاف بالشقيقتين، السعودية والإمارات، لأن تقبلا دعوة انضمامهما لدول البريكس، ولكن يصعب تخيل أنهما ستصبحان يوما في المعسكر المعادي لأميركا. وقد تصبح مصر والأرجنتين وإيران وأثيوبيا أعضاء في التكتل، لكنها تشكل عامل ضعف أكثر من كونها عامل قوة، بسبب ضعف اقتصاداتها، وشبه ضعف هياكلها السياسية.
كما لا أعتقد شخصيا أن للكويت أية مصلحة، قريبة أو بعيدة، في أن تكون ولو شبه طرف في بريكس، فضعف هذه المنظومة الجديدة، نسبياً، يكمن فيها، ومصيرها لأن تصبح شكلية، وارد جداً، فأعضاؤها يختلفون على معظم القضايا العالمية، وكان آخرها تنديد الدول المشاركة في قمة العشرين، التي لم يجرؤ الرئيس بوتين على حضورها، بما قامت به روسيا من عدوان على أوكرانيا، واحتلال أجزاء منها، دون أن يتضمن بيان التنديد اسم روسيا.
لكل هذه الأسباب فإنه من الاستحالة، على المديين القصير والمتوسط، أن يصبح تجمع بريكس منافساً أو مساوياً في قوته للدول الغربية، بقيادة أميركا، لانعدام الانسجام السياسي والاقتصادي بينها، دع عنك الاختلافات الأخرى، ولا يمكن أن تشكل يوماً قوة عسكرية، وهذا يجعلها أكثر هشاشة، بينما لدى الدول الغربية قوة الناتو، التي تشكل قوة عسكرية لا يستهان بها إضافة لقوتها المالية والاقتصادية والسياسية.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw