أيها الكويتيون.. لكم في ما فعل الموارنة أسوة حسنة!
طالما عانى موارنة لبنان، (هناك موارنة قبارصة وفي الشتات ربما لم يعانوا مثلهم)، من مشكلة الهُوية، فهم لم يستطيعوا حتى الآن البت في ما إذا كانوا ينحدرون من شعب قديم يُدعى المردة أو المتمردون mardaites أو أنهم عرب، أو أن أصولهم تعود للآرامية السريانية.
كما ليس هناك مَن بإمكانه الجزم بأصل كلمة «ماروني»، وهل هي مشتقة من اسم ناسك يدعى مارون، أم تعود لاسم دير سوري قديم؟ وسبب هذا الإرباك ربما يعود إلى عدم توافر تاريخ كنسي مدوّن للموارنة قبل القرن السابع عشر، ومع توافر مراجع في الفاتيكان وكتب رحالة ومؤرخين يسبقون هذا التاريخ بقرنَينِ تقريباً، فإن هناك شبه إجماع على أن جزءاً من الموارنة كانوا سرياناً أرثوذكساً، ومن اليعاقبة، حتى نهاية القرن السادس عشر، ليصبح الجميع بعدها أتباعاً للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، مع استمرار بعضهم كمونوثيليين، أي من المؤمنين بأن طبيعتَي المسيح، الإلهية والبشرية، متحدتان في إرادة وقدرة واحدة. إلا أنه من الأمور الغريبة التي لم يجد لها مؤرخو المارونية تفسيراً دفاع الباحث الماروني الأشهر جبرائيل ابن القلاعي، المتوفى في 1516، والذي كان مطران نيقوسيا في قبرص، عن أرثوذكسية الكنيسة المارونية، رداً على اتهامها بالمونوثيلية.
ويرى البعض أنه بالإمكان الاستخلاص، مما سبق، أن بعض المؤرخين الموارنة ينسبون أصل طائفتهم إلى شخصيتين، أحدهما ناسك وقديس من أوائل القرن الخامس، والآخر راهب من أواخر القرن السابع يدعى يوحنا مارون، وهو الذي أضحى أول بطريرك لهم، وهذا ما تنفيه كثير من المصادر! ويزعمون أكثر من ذلك أن الموارنة كانوا يدعَون بالمردة، لكنهم تخلَّوا عن هذا الاسم في القرن السابع، مفضلين اسم الموارنة. ويدَّعي المطران يوسف الدبس أن الموارنة سُمُّوا بهذا الاسم منذ القرن الخامس، لكنهم سُمُّوا أيضاً بالمتمردين أو المردة، بسبب تمرُّدهم على الدولة البيزنطية في القرن السابع الميلادي، والذي تزامن مع استقرارهم في مرتفعات لبنان، والمناطق المحيطة بها، مع بدء حكم الدولة الأموية الإسلامية في سوريا.
***
زادت أهمية الموارنة في لبنان، وأصبح لبطريركهم دور مميّز في الشؤون الداخلية، خصوصاً في القرن الثامن عشر، لأسباب ثلاثة:
– تحول أمراء البيت الشهابي، الحكام الدروز أصلاً، والذين تخفوا بغطاء السُّنة، إلى المارونية.
– تبع ذلك استقواء الطائفة المارونية تزامناً مع تبعيتها، كنسياً، لقوة كبرى، المتمثلة في الصرح البابوي في روما.
وأخيراً: اهتمام الكنيسة المارونية مبكراً بأهمية التعليم. حيث كانوا أسبق من غيرهم في الاهتمام بهذا الجانب الحيوي، فقد أقر المجمع الكنسي في اللويزة عام 1736 بضرورة التركيز على التعليم، وضرورة إجادة الجميع للغة العربية، وساهمت الكنيسة المارونية مالياً في نشر التعليم بين أتباعها.
***
اهتمت كل القوى الخارجية التي حكمت لبنان منذ القرن الـ19 بالموارنة، حيث قرّبهم العثمانيون، وبلغت أهميتهم ذروتها مع الفرنسيين في بداية القرن العشرين، حيث شرعنوا تلك الأهمية في ميثاقهم الوطني، غير المكتوب، وأصبحت أهم مراكز الدولة السياسية والعسكرية والمالية بأيديهم، وسبب ذلك كونهم المؤهلين أكثر من غيرهم، تعليماً، للقيام بمهام الدولة، والفوز بتلك الحظوة، مع ارتفاع عدد المتعلمين بينهم، نتيجة الأهمية التي أعطتها كنيستهم للتعليم على مدى القرون الثلاثة الماضية. كما كان لذلك أثره القوي في أسبقيتهم في الحصول على الوكالات التجارية المهمة، وفي الأعمال المصرفية والمالية، والصفقات الدولية، بحصة فاقت حصص كل الطوئف الأخرى، مجتمعةً!
***
متى تهتم حكومتنا بنوعية التعليم، وليس فقط كماً وصرفاً، كما فعل الموارنة؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw