غباش.. وتركيبة «الخليجيات»
لإماراتي الأستاذ حسين غانم غباش، مقال يعود لعام 2021، يخرج للسطح وينتشر، ليعود ويختفي، يتعلق بموضوع التركيبة السكانية في دول الخليج، والتحذير من تعاظم الوجود الآسيوي فيها، واصفاً الوضع بأنه «مأزق تاريخي يصعب تصوّر امكانية الخروج منه»، مهدّداً الهوية الثقافية التي هُمّشت، والثوابت الوطنية التي اهتزت، وشكّلت خطراً مستقبلياً على ما تبقى من الوجود البشري العربي في دولنا (!!)، وأن هناك اليوم 16 مليون آسيوي تقريباً في بلدان مجلس التعاون الستة، وسيصل عددهم إلى ضعف ذلك في 2025. وأن خلف المباني الشاهقة وبريق الثراء ثمة مآسي إنسانية ووطنية وقومية، إذ لم تعد المسألة، كما وصفت، مسألة خلل في التركيبة، بل تحولت، مع الوقت، إلى استيطان آسيوي طاغ، وأن وجودنا جميعاً في خطر، مع استثناءين، عُمان المحصنة بثقافتها، والسعودية بمركزها الديني.
ويتساءل السيد غباش: كيف وصلت بلداننا إلى هذا المأزق التاريخي؟ مَن هو المستفيد من هذا التحول الديموغرافي الدراماتيكي؟ كيف تم كل ذلك بصمت محير؟ هل الأمر نتاج تطور طبيعي أم إن ثمة محركاً خارجياً؟ وهل ثمة مخرج؟
يجيب قائلاً بأن السياسات التنموية، التي طبقتها الحكومات الخليجية طوال العقود الثلاثة الأخيرة، وعلى نحو متفاوت، شكلت الإطار العام الذي أحدث هذا التحوّل. فالتركيز على قطاع البناء والإعمار وتشجيع الاقتصاد الريعي والحداثة الزائفة، أهمل حقائق الديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ، ولم تأخذ هذه التنمية في حساباتها حاجات المجتمعات المحدودة في المنطقة، وبالتالي عدم الحاجة إلى هذه الملايين من العمالة، مع غياب أية رؤية تنموية اجتماعية وثقافية. وطالب الحكومات بأن «تبني الذات الوطنية»، وأن تثبّت حضور الإنسان على أرضه، وأن تعزز لغته وهويته، وتصون تراثه وثقافته.
وقال إن من يهمِّش قاعدته يُهمَّش، ومن يُضعِف شعبه يَضعف معه. أليست قوة النظم والحكومات من قوة وتماسك شعوبها؟ أم إن هذه المعادلة قد تغيرت؟ إذا كانت الشعوب قد تم استبدالها في غضون ثلاثة عقود سريعة، كمْ سيحتاج تغيير الحكومات، عقداً أم عقدين؟
ثم يصل الكاتب لاستنتاج بأن العقد المقبل هو «عقد الهوية»، أي أن نكون أو لا نكون، وهو آخر عقد لعرب الخليج!
والحل، في نظره، يتمثل في تغيير التوجهات التنموية، وفتح الباب للعمال والمهنيين الخليجيين!
ولا أدري حقيقة أين هؤلاء العمال والمهنيون الخليجيون الذين يتحدّث عنهم؟
***
لو سألت أي فرد خليجي عما يريد، لذكر الأمور التالية: مبانٍ حكومية نظيفة، دورات مياه كافية، عناية صحية وتعليمية مستمرة ومتميزة، شوارع جميلة ونظيفة، مواد غذائية متوفرة، محطات وقود كافية تعمل 24/7، متاجر ومولات، محطات توليد الطاقة الكهربائية، مكيفات هواء كافية، بصيانة مستمرة، استخراج وتصدير مستمر للنفط، صيانة دورية عالية لكل محطات تكرير البترول، ومحطات تقطير المياه، وتوفير عمالة نظافة في كل المؤسسات، وعمالة في الأسواق والمطارات والجمعيات والسوبر ماركات، وتوفير لحوم جيدة (ذبح اليوم)، وأسماك جاهزة (صيد اليوم)، وألا تتوقف عجلة البناء، ولا يتوقف طرح المناقصات، وأن تعمل كل أطقم المستشفيات والمستوصفات، الحكومية والخاصة، بكفاءة عالية، وأعداد كافية من أطباء وممرضين من الجنسين، وإن يكون هناك نقل جماعي جيد، وأن تبقى بيوتنا نظيفة، وسياراتنا مصونة، وأكلنا جاهزاً، وأمننا منتشراً، إلى آخر ذلك من خدمات لا تكفي مساحة الصفحة الأخيرة لذكرها، ثم يأتي من يطالب بعدم الاستعانة بـ«الأجانب»، وتعديل التركيبة السكانية، والتوقف عن الاستعانة بالخبرات والأيدي العاملة «الخليجية»!
المشكلة أن من يطالبون بتعديل التركيبة يعنون غالباً غيرهم، وبعيداً عن رفاهيتهم الشخصية ومصالحهم التجارية!
أحمد الصراف