أعزائي.. شلومو وحاييم ونعومي
أخاطبكم بالأعزاء، لأنكم بشر مثلي، لكم عواطف وآمال ومشاعر، وتتوقون، كالبشر، للعيش بحرية وسلام مع غيركم، في وطن آمن، وتسعون، كالجميع، إلى الحصول على خدمات التعليم والصحة والتقاعد، وتأملون ببيئة نظيفة، وطعام وفير وشراب، وغير ذلك الكثير.
جمعني معكم حب الفن والثقافة، ولم نتحدّث يوماً في السياسة، وربما جاء وقت مصارحتكم بحقيقة مشاعري.
تعرفت، وعشت القضية الفلسطينية منذ سبعين عاماً، من خلال المدرسين الفلسطينيين الذين وفدوا للعمل في الكويت، قبل وبعد تأسيس دولتكم. ولم يمر يوم تقريباً، خلال السبعين عاماً، من دون أن أتعايش مع القضية، من خلال من أعرف، وما أقرأ، وما قمت به جهد مادي ومعنوي، في حروب إسرائيل المتكررة مع الشعب الفلسطيني، ومع دول عربية أخرى.
ربما لا يعرف الكثير من الشعب الإسرائيلي، وربما أنتم كذلك، أن آباء وأجداد %90 من الإسرائيليين لم يولدوا فيما كان يعرف بـ«فلسطين»، بل هاجر أغلبيتهم إليها في القرن العشرين فقط. ولم تكن لهم، حتى يوم 13 مايو 1948، دولة وكيان سياسي يسمى «إسرائيل»، ولم يعلم بوجودها أحد، ولم تعترف بها دولة، فلا علم ولا دستور ولا برلمان، ولا أمة محددة المعالم واللغة، ولا حتى تراث مشترك، وبعدها بـ24 ساعة أُعلن تأسيسها، وخلال ساعات أصبح 700 ألف يهودي يحملون جنسية الدولة الجديدة، المحددة الكيان والمعالم، وخلال الساعات ذاتها، فَقد ضعف ذلك العدد من الفلسطينيين وطنهم وهويتهم وبيوتهم وتجارتهم ومزارعهم، وأمنهم وكرامتهم، وأصبحوا لاجئين، بكل ما تحمله هذه الهوية الجديدة من قسوة وذل وحرمان وظلم لا يطاق، وكل ذلك بسبب قرارات «زعمائكم» من جهة، وبسبب قلة فهم أو إدراك، أو عجز من كانوا يتولون أمر الشعب الفسلطيني، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وحتى النكبة وما بعدها، برفضهم لكل ما قدم لهم من حلول لتعايش الشعبين، وكانت النتيجة استمرار فقدهم لأجزاء أكبر وأكثر من أراضيهم لمصلحتكم، فتوسعت مساحة دولتكم، وزادت أعدادكم، وتقلّصت رقعة أو مساحة الأرض التي سمح للفلسطينيين بالتواجد فيها، ولكن أعدادهم استمرت بالازدياد، وبعد 76 عاماً أصبحتم أقوى دول المنطقة، عسكرياً وصناعياً وزراعياً وتقدماً علمياً، وأقل إحساساً بالأمان.
***
لا أريد الدخول في جدال معكم حول من له الأحقية في أرض فلسطين، فالحقائق التاريخية ماثلة أمام الجميع، وهي الحكم. كما لست في مقام إنكار وجودكم في إسرائيل، فكما ان من المحال إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فإن من المحال أيضاً إنكار حقوق شعب يتجاوز عدده عددكم بكثير في وطن حر مستقل، فهم أيضاً، مثلكم تماماً بحاجة لكل ما لديكم من آمال وأحلام، وعلى الإنسان الإسرائيلي تقع مسؤولية إعادة الحق لأصحابه، وعدم تناسي حقيقة أن هناك شعباً حياً يعيش بين ظهرانيكم، وعلى حسابه تأسس رخاؤكم، بعد أن أصبح بلا وطن ولا هوية معترف بها، ولا حدود ولا دستور ولا برلمان، ولا حق في العمل أو التنقل أو التعليم أو الصحة أو التقاعد الكريم، ولا حتى البقاء حياً، بنظر البعض منكم، وهذا يعني، بكل بساطة، أنهم لن يتوقفوا يوماً عن المطالبة بحقوقهم، ولن يكتفوا بأن يكونوا شوكة في خاصرتكم، بل سيتحولون مع الوقت إلى لقمة صعبة البلع في أفواهكم، وسكينة في ظهركم، ورصاصة في قلوبكم أو رؤوس أحبتكم، وعليكم الاعتراف، اليوم قبل الغد، بأن للطرف الآخر الحق في العيش، والحق في الكرامة، والحق في التعليم، والحق في أن يكون لهم وطن حر، فهم ليسوا أقل منكم حاجة وإنسانية.
لست هنا لتقديم الحلول، بل لفتح العيون. فالفلسطينيون يفتقدون كل شيء، ومن السذاجة الاعتقاد أنهم سوف يستسلمون لكم، لتفعلوا بهم ما تشاؤون، وعلى يهود إسرائيل، وأنتم منهم، تقع مسؤولية وضع حد لهذا اليأس، والتفكير جدياً في التعايش مع الفلسطيني على قدم المساواة، وبغير ذلك فلن يكون لدى الشعبين أمان أبداً، لكن تذكروا بأن أحدهما لا شيء لديه ليخسره!
أحمد الصراف