الود التركي المفقود
لا يشعر الكثيرون بالود تجاه الأتراك، ويكن آخرون العداء لهم بسبب تاريخهم الاستعماري الدموي وما اقترفوه من مجازر بحق الأرمن والكرد والعرب وغيرهم من شعوب أوروبا وآسيا، ولكن هذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد وتحميل تركيا اليوم وزر تركيا الأمس، خصوصا إن اعتبرنا أن تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة المتقدمة سياسيا واقتصاديا، بخلاف ماليزيا، التي يعود فضل تقدمها للصينيين فيها وليس لغيرهم. ويعود سبب تميز تركيا لنظامها العلماني من جهة وحيوية شعبها وما اكتسبوه من قربها لأوروبا، موطن الحضارة الأقدم، من جهة اخرى.
هاجر السلاجقة الأتراك إلى هضبة الأناضول مع بدايات القرن الحادي عشر، وزاد عددهم مع توالي انتصاراتهم على الدولة البيزنطية، ثم ليأتي بعدها بعقدين «عثمان بك» أو السيد عثمان، ويضع أسس الإمبراطورية العثمانية التي استمرت حتى الحرب العالمية الأولى وتم احتلالها من جيوش عدة، بمن فيهم جيوش الحلفاء الذين احتلوا أراضي الامبراطورية الهرمة، وهذا ما دفع مصطفى كمال عام 1920 لشن عدة حروب تمكن بعدها من دحر جميع أعدائه واجبارهم على ترك أراضي وطنه، وتوج على أثرها بطلا قوميا، بالرغم من المجازر التي اقترفها بحق الأرمن بالذات، وفي 1923 أعلن عن إلغاء الخلافة العثمانية وتأسيس جمهورية تركيا العلمانية الحديثة، وأصبح أول رئيس لها، ومنحه البرلمان لقب أتاتورك، أو ابو الأتراك، وأصبح على كل هؤلاء، وللمرة الأولى في تاريخهم، اتخاذ اسم محدد كلقب للعائلة، وهو الأمر الذي لم يكن متبعا. وعندما ثبتت قدما أتاتورك في الحكم على إلغاء الشريعة من المؤسسة التشريعية، وقام بتصفية الرموز الدينية والمحافظين، ومنع ارتداء الأزياء القديمة من طربوش وعباءة نسائية وحجاب، والغى وزارة الأوقاف والمحاكم الشرعية، والغى استخدام الحروف العربية، وأصبحت التركية تكتب بالأحرف اللاتينية، ومنع الكثير من الأنشطة الدينية وتأسيس أحزاب على أسس دينية.
وفي 1938 مات مصطفى كمال أتاتورك في قصر «دولمه باقشه» في اسطنبول عن سبعة وخمسين عاما فقط.