التطرف الإسلامي في البوسنة
قام سعادة سفير البوسنة بالرد على مقالنا المتعلق ببعض انطباعاتنا عن زيارتنا الأخيرة لسراييفو، وما ذكرناه عن دور قوى المغالاة الدينية في نشوب الحرب الأهلية هناك، ونود شكره على التعقيب ولومه على وصفه لمصدرنا بالجهل أو سوء النية، فالمصدر دبلوماسي يعلوه مرتبة وسناً وخبرة، وكان له دور في الأحداث المأساوية التي وقعت في بلاده. كما نود أن نبين له أنه قصره في فهم مغزى مقالنا، فنحن لم ننكر فيه حقيقة ما اقترفه الصرب من جرائم إنسانية بشعة بحق الشعب البوسني، وحتى الكرواتي وما قامت به قواتهم من تصفيات جماعية على أسس عرقية ودينية، كما أنه ليس بإمكان أحد تبرئتهم من دماء مئات آلاف الأبرياء، ولكن ما ذكرناه أن تلك الاعتداءات، ربما ما كانت لتقع بكل تلك الوحشية والبشاعة، لو لم تشحن قوى التطرف السلفية صدور مسلمي البوسنة بمشاعر كراهية الغير المختلف، وتأليب صدورهم على أسلوب حياتهم وسياساتهم التي كانت تسمح للمسيحي، والمنتمي للأقلية الصربية في البوسنة مثلا، بأن يكون رئيسا دوريا عليهم، بالرغم من كونهم الأغلبية! وما ذكرناه في المقال هو أن هذه النداءات وتلك المطالبات هي التي أخافت جمهورية الصرب ودفعتها، وقوى أخرى، الى التدخل في البوسنة لحماية أقلياتها فيها، فاقترفت ما اقترفته من جرائم مهولة!
لست هنا في معرض تبرير جرائم الصرب الوحشية التي أدانها العالم أجمع، ولكني أبني استنتاجاتي من واقع ما سمعته ولمسته في البوسنة وما قرأته عن تجارب مشابهة، فالهنود مثلا عرف عنهم تاريخيا ميلهم الى السلام، وقد تخلوا عن تلك الصفة الرائعة فقط عندما استفزت الأقلية المسلمة، وبدعم من متطرفينا ودولارات بترولنا السلفية، مشاعرهم. والأمر ذاته حدث في اندونيسيا وتايلند والفلبين وعشرات الأماكن الأخرى التي أفسدت دولاراتنا أفكارهم وجنحت بهم نحو التطرف وخربت تعايشهم، وما حدث في البوسنة لم يكن استثناء، فسلامها الداخلي لم يتزعزع إلا بعد أن غزتها أفكارنا المتطرفة.
الأمثلة أكثر من الهم على القلب، وسعادة السفير بحاجة لأن يقرأ أكثر في التاريخ، وأن يعلم بأن وطنه لا يزال غير محصن من الفكر المتطرف، ولا يزال لأصحاب هذا الفكر من «جماعتنا» وجود قوي هناك، ويمكن ملاحظة انتشارهم بوضوح، كما ان احتمال قيامهم بإثارة النفوس والقلاقل مرة ثانية أمر غير مستبعد، وهذا ما يجب أن تنقله لحكومتك، إن رغبت في ذلك.