معركتنا ضد «إسرائيل» وضد الجهل!
لا شك أن معركتنا ضد إسرائيل، وكل القوى المعادية الأخرى، أسهل بكثير من معركتنا مع الجهل!
* * *
يعتقد بعض الجهلة على منصة x، وهؤلاء يشكلون الأغلبية الساحقة والماحقة من المغردين، أن بترولنا وأموالنا هي التي حررت وطننا عام 1991، وهذا تقليل أخلاقي مخل للدور العظيم، الذي قامت به أميركا وبريطانيا والسعودية، و30 دولة أخرى. فما المبلغ الذي كان على الكويت دفعه لأميركا، مثلاً، لكي تقوم بإرسال أكثر من ستمئة ألف جندي، من أفضل أبنائها لتحرير الكويت، واحتمال فقد عشرات الآلاف منهم أرواحهم تالياً في المعارك مع نظام قمعي لم يعرف عنه التردد في استخدام أية وسيلة «غير تقليدية» لإفناء أعدائه؟ ألا يستحيي هؤلاء المغردون الجهلة من الادعاء بأن همّ أميركا الوحيد كان بترولنا، أو دولاراتنا؟ هل هناك ثمن كان يمكن أن يعوضها عن خسارة هذا العدد الرهيب من أرواح جنودها؟
لقد تصادف وجودي في الأيام الأولى من التحرير في منطقتي الدمام والخفجي، ورأيت المخازن الضخمة التي استأجرتها أميركا، وجهزتها بكل وسائل التبريد، لتكون مخازن مؤقتة لحفظ جثث الآلاف من الجنود، الذين توقعت تعرضهم للموت بالغازات والأسلحة الكيميائية الأخرى، خاصة أن سوابق صدام وأفعاله مع شعبه تشهد على ذلك، فكيف يمكن لعقل مغرّد أن يكون بهذه السذاجة ويعتقد، حتى للحظة، أن كل ما كانت تملكه الكويت أيامها كان يمكن أن يغري دولة عظمى، كأميركا، لبذل كل تلك التضحيات من أجل الحصول عليها، وهي أصلاً لم تطالب بها، ولا يعني هنا أن أميركا كانت تتصرف من أجل سواد عيوننا، فلا شك أنها كانت تتصرف وفق مصالحها، التي تلاقت مع مصالحنا في تحرير وطننا، ولم المال من بينها!
وماذا عن الشقيقة السعودية التي شاركت بمئة ألف من جنودها في حرب التحرير، وفتحت أراضيها وأجواءها لقوات التحالف لتبدأ منها المعركة، وعرّضت نفسها لمخاطر عالية بسبب جنون وتهور صدام، وكانت تعلم جيداً حجم المخاطر الجسيمة التي ستتعرض لها، ومع هذا شاركت بفعالية في معركة التحرير، وتلقت مدنها 43 صاروخاً من العراق، فهل هي أيضاً قامت بما قامت به من أجل «بترولنا ودولاراتنا»؟
* * *
تكلّفت حرب التحرير مبالغ ضخمة، كان من الممكن أن تصرف على تنمية المنطقة لولا غباء صدام، وغيره من القادة الدمويين، الذين ابتليت بهم الأمة.
تعهدت الولايات المتحدة بتحرير الكويت، وجندت 600 ألف جندي أميركي، وقدرت تكلفة عملية التحرير بـ61 مليار دولار، من أموال دافعي الضرائب الأميركيين. إلا أنه تم الاتفاق تالياً على قيام الكويت والسعودية واليابان وألمانيا والإمارات بدفع 53 مليار دولار مساهمة منها في التكلفة النهائية، وبالتالي فقد تكلفت أميركا قرابة عشرة مليارات دولار، وهذا عكس ما اعتقده وما زال يعتقده البعض، ويمكن الاطلاع على كل هذه المعلومات من مصادرها الدقيقة والموثوقة على الإنترنت. كما بلغت حصة الكويت من التكلفة الإجمالية لحرب التحرير 16 مليار دولار فقط، ولم تعطِ بعد التحرير برميل نفط واحداً مجاناً لأي جهة، ولم تطلب أميركا منها أصلاً أي شيء!
من حق من يشاء أن يكره أميركا، ويستنكر بشدة وقوفها مع إسرائيل في عدوانها الأخير الرهيب على غزة، ولكن ذلك يجب ألا يعمينا عن الحقيقة، وهي أنها التي أعادت لنا وطننا، وهي الوحيدة التي بإمكانها «اليوم» الدفاع عن وجودنا!
نتمنى أن يخرس هذا الكلام الأصوات المغرضة، والساذجة، وأن نعرف أن معركتنا الحقيقية هي مع الجهل، وليست مع أي عدو آخر.
أحمد الصراف