كتاب يوم الحشر والصحة المدرسية
قام الملك الإنكليزي وليام الفاتح william the conqueror في عام 1086، بناء على نصيحة مالية تتعلق أساسا بتحصيل الضرائب، بحصر وتدوين كل تفاصيل العقارات الزراعية والسكنية والزرائب في إنكلترا وبيان ملاكها وموقع كل قطعة في سجل سمي doomsdays book، أو: كتاب يوم الحشر، والمكون من جزأين، والذي تضمن كذلك جردا تفصيليا للأبواب والشبابيك، وللماشية، بما فيها الحيوانات الأليفة والطيور، والعربات، وكل ما يمتلك، من أجل فرض الضرائب عليها. وبعد ألف عام تقريبا لا يزال هذا السجل في حالته الأصلية معروضا في المتحف البريطاني، بالرغم من كل ما مر بانكلترا من حروب وأهوال، ويطّلع عليه سنويا الملايين، ونسبة كبيرة من طلبة المدارس.
وفي الكويت، ناشد «مركز البحوث والدراسات»، في سعيه لطبع مجلات ثقافية واجتماعية تكاد تفقد من المكتبات، وحتى لدى العامة والمهتمين بقضايا الثقافة والتراث، من لديه بعض أعداد مجلة «الصحة المدرسية»، التي صدر العدد الأول منها عام 1959، التقدم بها للمركز لتكملة عملها التوثيقي، والذي يصبح بغيرها العمل ناقصا.
لقد عجزنا عن حفظ تاريخنا ومطبوعاتنا التي تعود لنصف قرن فقط، فكيف الحال بتلك التي تعود لعشرات القرون؟ أليس هذا دليلا دامغا على تخلفنا حضاريا؟ فإنكلترا التي حكمت نصف العالم لقرون، والتي فرضت لغتها وثقافتها على نصفه الآخر، لم تنجح في تحقيق ذلك بالمدفع فقط، كما فعلت سيوفنا وسنابك خيلنا، وما أرقناه من دماء، بل بحرصها على ثقافتها وتاريخها وتدوين وتوثيق وحفظ كل صغيرة وكبيرة بصرف النظر عن أهميته، والاحتفاظ به بشكل سليم يسهل الرجوع له، فسجل أحوال الطقس ودرجات الحرارة مثلا يعود لــ300 سنة تقريبا!
إن الحضارات لا تكتب بدماء الضحايا، ولا تطبع تحت سنابك الخيل، بل بمداد أقلام المفكرين والمثقفين والمؤرخين. فمتى نتعلم من الآخرين شيئا من الحضارة التي لم نمسك يوما بتلابيبها؟
***
ملاحظة: من العبث طبعا توقع قيام «المجلس الوطني للاثقافة والنوم» بعمل شيء في هذا الصدد، فسياسة المسؤولين عنه تتلخص بعدم العمل، وفي ذلك منتهى السلامة.... والراحة!