صباح اليوم التالي

يقول الكهل الحكيم: عندما تتجاوز السبعين من العمر ولا تشعر بأية آلام فور استيقاظك من النوم صباحاً، فأعلم أنك.. غادرت!

الصحة بالفعل تاج على الرأس، لا يراه إلا كل سقيم، وثروة لا تقدّر بثمن، مع هذا لا يحترم هذه الثروة إلا القلة، أما الغالبية فهم مع «اغنم زمانك» ولا تهتم بما سيأتي به الغد!

هذا صحيح لدى الكثيرين، وربما يكون جديراً بالاتباع، شريطة وجود من يضمن أن انشغالي بلهوي واستمتاعي بـ«ملذات» الحياة لن ينتهي بي على فراش المرض، في أواخر عمري، وتزداد آلامي، وأنابيب البلاستيك تنظّم دخول الغذاء لجسدي، وتتحكم في خروج السوائل والفضلات منه، وأنا مستلقٍ على فراش كالجمر، محروم من الحركة، أنتظر قدوم موت بطيء، حينها ليس بإمكاني «اجترار» سعيد ذكرياتي ورائع ساعات لهوي وملذاتي، لكي تخفّف ذكراها ولو شيئاً من آلامي وأوجاعي وهلعي من موت مرعب قادم؟
* * *
مرت بي السنوات سراعاً، وأصبحت على مشارف «الخُمس» الأخير منها، بعد أن أمضيت في هذه الحياة ما يقارب الـ30 ألف يوم وليلة، رأيت خلالها الكثير، وكل يوم، منذ ثلاثين عاماً على الأقل، أكتشف مدى قلة حيلتي وجهلي، وعجزي وقصر نظري، وقلة ما أصبح يتوافر لديّ من وقت لأن أتعلم أكثر، وأكتب أكثر، وأستمتع بحياتي أكثر، وأسافر أكثر، وأسعد من هم حولي أكثر، وأفهم أكثر، وأن أنجح في أن أُبقي ذاكرتي حية لاقطة نابضة بالحياة، فالحياة هي ذاكرة، فإن خفتت أو ماتت مات الجسد بعدها، حتى لو بقي صاحبه حياً لسنوات طوال!
* * *
فقدت الكثير من أهل وأصدقاء وأقارب، وكان بعضهم كالعقارب، ومع هذا كان لكل منهم دور في حياتي، سلباً أو إيجاباً، وسألحق بهم يوماً حتماً، وربما سيأتي بعدها من سيكتب عني ويتذكرني، وفي الحالتين لن أكون موجوداً، لأكترث أو لأعلق عما قيل عني.

لذا علينا أن نستمتع بوقتنا، أو بما تبقى منه في تعلّم شيء جديد، سواء مهارة أو طبخة أو قراءة كتاب، كل أسبوع، وحتى تعلّم هواية جديدة.
* * *
دعونا نبتسم للأشياء الصغيرة في الحياة، التي تسمعك رنة جميلة في القلب، وأن نستمر في الاستمتاع بما تبقى لنا من أيام في هذه الدنيا، وأن نفعل ما حلمنا دائماً في أن نقوم به، فلا وقت لتأجيل الأمور الجميلة إلى «باجر» أو «بعدين». فمن لا نستمر في السؤال عنهم أو زيارتهم، من أهل وأحبة، سنفاجئ، في صباح اليوم التالي، بأنهم غادرونا أو رحلوا عنا.. ربما للأبد! وسنندم لأننا لم نقبّلهم أو نودعهم أو حتى ننهي خلافاتنا مع بعضهم، أو نعتذر، حتى لمن أساء منهم إلينا.. يوماً!

ملاحظة:

شكراً للزميل عدنان العثمان، وأطمئنه بأن أسبانيتي في تقدّم، ولن يطول وقت تمكني من استخدامها في طلب وجبة غداء في قرية «أندولوثية» جميلة.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top