عسكر الرطيان والجهل بالحقيقة
مقارنة أوضاع الخدمات لدينا بدول الخليج مقارنة ظالمة، لاختلاف نظم الحكم. فلكي نصبح مثلها علينا إلغاء الأجهزة الرقابية، والعمل بطريقة مركزية أكثر، وهذا يعني عدم الاكتراث بتكلفة أي مشروع، فتنفيذه هو الأهم، وهذا تم تطبيقه في الكويت بصورة محدودة، وكانت النتائج، في رأي البعض غير موفقة، والأمثلة معروضة في مضمار سباق السيارات. كما أن مأساتنا مع طرقنا، كمثال، ناتجة أساساً عن ترهل الإدارة الحكومية، وانتشار الفساد في العديد من مفاصل الدولة، وعدم الرغبة في محاسبة المقصرين، ولا علاقة للأمر بنظامنا الديموقراطي. فكما ان هناك أمثلة على فشل بعضها، فإن هناك ديموقراطيات رائعة حققت الكثير وتفوقها عدداً!.
* * *
كتب محمد الرطيان، الكاتب السعودي، مقالاً قبل سنوات، لم يلقَ كثير اهتمام، تضمن مقارنة بين ما حققته دول في الخليج، بالخراب الذي نتج عن حكم «العسكر» في ليبيا القذافي.
أعيدت صياغة المقال ثانية عام 2016، وقام كاتبه أو غيره بإضافة الكويت إلى لبنان، ومقارنة وضع البلدين، الديموقراطيين، ببعض دول الخليج، وصدر بعنوان «الشيوخ والعسكر والديموئراطي»، وعنوانه يؤكد صحة أنه كان أساساً يتعلق بلبنان ودول خليجية.
يقول كاتبه إن في بعض الدول كماً كبيراً من الضجيج الحر، مع قلة الحريّة، وإن الساسة، فيهم، أكثر من المواطنين. والثرثرة أكثر من الإنجازات. وتساءل عن سبب فشل النموذج الديموقراطي في الكويت في بناء التنمية، ونجاحه في دول خليجية أخرى؟
أغلبية من أرسلوا المقال وأعجبوا به، تعاملوا معه على أنه حديث، واعتبروه حجة ضد مؤيدي الديموقراطية، وأنها لم تخلق لنا!
أولاً: ديموقراطيتنا تعود لستة عقود، ولن نفرط فيها، لأن كاتباً ما لم يعجبه منظومتنا السياسية، فقد اعتدنا عليه، ونتنفس من خلاله، مهما كثر الضجيج من حولنا، فمجريات التاريخ تقول إن ما ننادي به هو الذي سيسود في النهاية، وليس العكس، فهذا من طبائع الأمور، ويتماشى تماماً مع السليقة البشرية وتوقها الدائم للحرية.
ثانياً: ما تمتع به لبنان من حريات وديموقراطية جعله البلد الأفضل، لنصف قرن، بين كل الدول العربية، تعليماً وسياحة وطبابة وثقافة. وملأ مميزو لبنان ومبدعوها ونتاج ديموقراطيتها العالم أجمع، ولا يتسع المجال أصلاً لذكر ولو نصفهم، وهو ما عجزت عن تحقيقه بقية الدول العربية مجتمعة، وحتى سوريا التي تشابهها، وأسباب ذلك معروفة. كما أن عظمة مصر، في مجالات عدة، حدثت في فترة الديموقراطية، وجف وخمد كل شيء مع غيابها. كما أن ما تمتعنا به، طوال نصف قرن، من حريات، هو الذي جعل الكويت، هذه الدولة الصغيرة، ما أصبحت عليه وما حققته من تميز وانفراد في محيطها، وهو التميز الذي كنت أشعر به وأتلمسه كلما زرت دول الخليج، على مدى نصف قرن، فكانت الإشادة والإعجاب يأتيان دائماً من طرفهم، وليس من طرفي، لعلمي بأن ما حققوه، يمكننا تحقيقه بالمال والتخطيط، لكن ماذا عن الإنسان؟
ثالثاً: الرد على الأخ محمد الرطيان وعلى أعداء الديموقراطية، خاصة في الداخل، وأغلبيتهم إما سذج وإما لهم أجنداتهم الخاصة، سهل، فهي ليست العامل المعيق. فالنهوض بالدولة قرار تملكه الحكومة، بالتعاون مع المجلس، أو بغيره، وكل ما نحتاج إليه هو الرؤية المستقبليةً والهدف الواضح، وقوة اتخاذ القرار، فنحن جميعاً لن نرضى، لا اليوم ولا غداً، بغير الصباح حكاماً. وموضوع الغياب التام لأصوات من طالبوا باستجواب وزير الخارجية، إن رفض اعتماد السفيرة الأميركية، خير مثال.
وعليه، فبالديموقراطية أو بغيرها سيبقى الصباح حكامنا، فما الداعي للتفريط بنظامنا السياسي الحالي؟
أحمد الصراف