صلاة «ميمونة»
كتب الزميل الجزائري أمين الزاوي مقالا في «الإندبندنت» العربية بعنوان «ميمونة تعرف ربي، وربي يعرف ميمونة»، تعلق بأسطورة أو حكاية شعبية جزائرية لها دلالتها، فميمونة عجوزُ أمازيغية لم تكن تعرف العربية، وكانت متصوفة وتؤدي صلاتها باستمرار، والتي لم تزد عن جملة واحدة، تنطقها بلهجتها، أو لغتها الأمازيغية: «ممونة تَسَّنْ ربي، ربي يَسَّنْ ممونة».
أحب الجميع ميمونة لقلبها المليء دائما بالخير، وتقواها، وكان الناس يأتونها لتحل مشاكلهم، وكانت صلواتها تستجاب دائما.
ذات مساء، وصل القرية رجل غريب، مهيب الطلعة، تبدو عليه سمات العلم والوقار، فاستقبل بترحاب، وعلمت «لالة ميمونة» بأمره فطلبت أن تُقابله، فقبل الضيف لما سمعه عن لطفها وبركاتها، وتقواها، وتبين له عند اللقاء غرابة صلاتها، وتكرارها لعبارتها الغريبة، فبين، كرجل فقه وأدب، أن صلاتها «غير صحيحة» وغير مقبولة، ولا تحسب في ميزان حسناتها، فاستغربت كلامه، وهي التي تستجاب كل صلواتها! لكنها رضخت لإلحاح الرجل وقررت حفظ نص الصلاة الصحيحة. فتم ذلك بعد جهد، وحفظت الصلاة، دون معرفة معاني كلماتها!
غادر الرجل القرية ومضى في طريقه، الذي كان يتضمن المرور بغابة وجبل وعر، وطلب منها أن تصلي له، كما علمها، وتدعو له بالسلامة!
حين حل موعد الصلاة قامت لأدائها، فلم تتذكر ما تعلمته من الضيف الغريب، وعندما حاولت أن تسترجع طريقة صلاتها الأصلية اكتشفت أنها نسيتها أيضا. فدعت على الغريب بأن يضل طريقه، كما أضل لها طريقتها في أداء صلاتها.
في اللحظة نفسها اكتشف الغريب أنه تاه في الغابة، فأدرك على الفور أن «لالة ميمونة» قد تكون دعت عليه، فدفعه يأسه وضياعه للعودة للقرية، وذهب لها من فوره، فصاحت به ما ان شاهدته: «لقد ضيعت صلاتي فضيعت طريقك». فجلس إلى جوارها، واقتنع بموقفها، وساعدها في استرجاع كلمات صلاتها القديمة، وبعد جهد استرجعتها وقامت إلى صلاتها مرددة النص: «ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة»، «ممونة تِسَّنْ ربي، ربي يَسَّنْ ممونة»، فقام الغريب وأكمل طريقه سعيداً هو الآخر، بأن بفضل دعائها فلن يضل طريقه ثانية.
* * *
مغزى هذه الحكاية الراسخة في الوجدان الجزائري، تعني أن الله لا يفضل لغة عن أخرى لكي يسمع الصلاة، فهو، كما يردد كل المؤمنين، عالم بكل شيء، ويدرك الأسرار والبشر وكل لغاتهم وأفكارهم وما في سرائرهم، حتى وهم صامتون. وإن الطريق إلى الله بسيط جداً ولا يحتاج إلى تعقيد ولغو زائد وخطابات سياسية وأيديولوجية، فحكاية «ميمونة تعرف ربي وربي يعرف ميمونة»، «ممونة تِسَّنْ ربي، ربي يَسَّنْ ممونة» تعلمنا بأن الذين جاءوا بالإسلام السياسي إلى بلادنا وإلى بلدان كثيرة أخرى أرادوا أن يفصلونا عن الطرق والأساليب التي كان الأجداد يمارسون بها الإسلام على هذه الأرض، إسلام السلام والمحبة، إسلام البساطة، إسلام الصدق مع الله ومع العباد، وتعويضه بإسلام آخر قائم على المظاهر والخطب والثرثرة، إسلام مفرغ من العمق الروحي وعامر بالأيديولوجيا، إسلام اختصروه في أحزاب سياسية والدخول إليه يكون من طريق بطاقة انتماء لهذا الحزب أو ذاك، وعن طريق أداء الولاء للزعيم الذي أصبح هو الكل في الكل.
الدين حاجة وضرورة للكثيرين، ولكي يؤدي دوره بفاعلية علينا أن نبقيه صادقا نقيا، بعيدا عن البهرجة اللفظية، والتعقيدات العقائدية.
ملاحظة: كدأبنا منذ التحرير، على نشر تهنئة، على صفحة كاملة، تتضمن تهنئة المواطنين والمقيمين المسيحيين بعيدي الميلاد ورأس السنة، إلا أن حالة الحزن التي تعيشها البلاد على رحيل الأمير نواف الأحمد، والوضع المأساوي في غزة، تطلبا إلغاء كل الترتيبات.
أحمد الصراف