أمن الدولة.. وتغريدات نائب الكنكون

كتبت قبل سنوات مقالاً، تضمن «وصفاً حاداً» لرمز من رموز إيران، اعتبرته حكومتها غير لائق، فحرّكت، عن طريق سفارتها، دعوى «أمن دولة» ضدي. تم إبلاغي بالقضية وأنا في الخارج، وطُلب مني العودة، مع وعد بمعاملة لائقة، ربما بحكم وضعي وسني، بحيث لن يتم القبض علي على متن الطائرة، عند وصولها، ولا وضع يدي في الأصفاد. وكل ما علي القيام به هو التوجه لمبنى أمن الدولة ليتم التحقيق معي!

تم ذلك بيسر وسهولة، وبيّن لي الضابط أن القضية خطيرة، وقد ينتهي الأمر بسجني، لأنني عرضت مصالح الدولة للخطر، فالتهجم على رمز دولة جارة وصديقة، يتضمن عادة إحراجاً لسلطات الدولة!

كنت، والمعنيون في القبس، مطمئنين لموقفنا، وأنه ليس في الأمر ما يمكن أن يشكل خطراً على حريتي، لكن الأمر برمته، في نهاية الأمر، متروك للقضاء العادل!

فوجئت بعد فترة، وقبل صدور حكم الاستئناف، بأن السفارة طلبت من محاميها سحب الشكوى، وإغلاق الملف. ولم أعرف حينها السبب، أو موقف النيابة، وغير ذلك من ملابسات الموضوع. ولكن بعد مرور شهر تقريباً علمت بأن الصديق سعود العرفج، قام، من دون علمي، وبمبادرة شخصية منه، بزيارة سفارة إيران في الكويت، ويبدو أنه نجح، بما عرف عنه من لباقة وأدب، في إقناع السفير ببذل جهوده لإلغاء الشكوى بحقي، وهذا ما تم.

بعدها، طلب مني الأخ سعود أن نقوم معاً بزيارة «مجاملة» للسفير، من دون أن يتضمن «الجدول» أي اعتذار أو تراجع عما كتبته، وهذا ما تم، وخرجنا من السفارة، يتبعنا من تكفّل بحمل هدية السفير من أكياس الفستق وعلب الزعفران.
* * *
تذكرت تلك الحادثة وأنا أقرأ نصوصاً وتغريدات للبعض، يهاجمون فيه من طالبوا بوقف العمل بالدستور، وأن الطلب دعوة وتحريض للانقلاب على الشرعية والنظام، وأن تصرفهم يشكل جريمة «أمن دولة»، ولا أدري أين كان هؤلاء، عندما «انتهك الدستور» عشرات المرات، في البرلمانات السابقة، مع عدم اتفاقي طبعاً مع طلب التعليق، بل أنا مع المحافظة عليه، لكن كيف أصبحت المطالبة بوقف العمل به جريمة أمن دولة، في نظر هؤلاء، وهم الذين سبق أن قاموا بتعريض سمعة وأمن الدولة لخطر كبير، عندما قاموا وشاركوا في جمع الأموال، علناً، لغرض تمويل مشاركة «جماعات دينية متطرفة» في الحرب الأهلية في أكثر من دولة شقيقة، وعدم الاكتفاء بشراء الأسلحة لها، بل والقيام فوق ذلك، أمام عدسات مختلف القنوات العالمية، بالمشاركة في تلك الحروب الأهلية، على الرغم من صفاتهم شبه الرسمية، وما شكلته تصرفاتهم ومشاركاتهم، في حينه، من إحراج للحكومة؟ فما الذي سيفعله هؤلاء مثلاً إن جاء أي من قياديي تلك الدولة لزيارتنا، فهل سيشاركون في استقبالهم، على الرغم من سابق جرائمهم، والفتك بأبنائهم، وحمل السلاح ضدهم؟

كيف أصبحت كلمة في مقال تشكل جريمة أمن دولة، وتصرف «نائب الكنكون» ورفاقه تصرفاً عادياً، ومشاركتهم في حروب عربية أهلية أمراً مسكوتاً عنه؟!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top