أصحاب الرسالة الخالدة
آمن حزب البعث طوال تاريخه الدموي والمأساوي بشعار «أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة»! وشارك الكثيرون الحزب في تأييدهم للشعار والاعجاب به، ولكن لا أحد من هؤلاء عرف يوما، أو يعرف الآن، شيئا عن مضمون أو فحوى، أو حتى الخطوط العريضة لتلك الرسالة الخالدة! فهل يعني ذلك أننا الأمة الوحيدة التي لها رسالة خالدة «سرية» وبقية أمم الأرض «كخه» مثلا، وبلا رسالة؟
أما بخصوص الشق الأول من الشعار والمتعلق بـ «أمة عربية واحدة»، فهذا لا شك حلم يراود مخيلة الكثيرين، ولكن دون تحقيقه الصعاب الكثيرة، وأولها فشلنا، ككويتيين ومصريين وعراقيين وسوريين في أن نكون كويتيين ومصريين وعراقيين وسوريين في المقام الأول. فخلق هوية وطنية واضحة وخلق مواطن صالح منتمٍ لوطن محدد أمر سابق لأي وحدة بين اي كيانين. فالوحدة المصرية السورية وغيرها من محاولات الوحدة الأخرى فشلت، ليس لأن الصهيونية والاستعمار وقوى «الاستكبار» الأخرى كانت ضدها، بل لأن عوامل الفرقة كانت أصلا في أطراف الوحدة نفسها، إضافة إلى أن محاولات الوحدة تلك كانت فوقية وليست نتيجة رغبة شعبية، والهوية هنا لا تعني البطاقة الشخصية، بل ما هو أعمق من ذلك بكثير! فكم هي نسبة العرب من دول شمال افريقيا ومصر والسودان والمشرق الذين يودون الحصول على تصريح أو اذن هجرة لأوروبا والعالم الغربي؟ لا شك أن معرفة النسبة، لو تم إعلانها، سيشكل صدمة لأصحاب الرسالة الخالدة!! ونحن بحاجة لأن نكون مواطنين كويتيين صالحين قبل أن نكون بمراحل كثيرة عربا وحدويين أو طالبي وحدة مع «الأشقاء» الآخرين!
وبهذا الصدد، نشرت «الإيكونومست» البريطانية الرصينة قبل فترة مقالا تحليليا عن «عالم العرب، والعوامل المشتركة بينهم»، ورد فيه أن العالم العربي، وهي تسمية مضللة، يتكون من 22 كيانا، وينتمي لأعراق وطوائف وملل وديانات وأصول متنوعة من مصريين اقباط ولبنانيين موارنة وسوريين أرثوذوكس وبربر مغاربة وجزائريين ومسيحيين أفريقيين ووثنيين سودانيين وعراقيين كرد وسريان واشوريين ويمنيين يهود وبيض وسود وسودانيين مسلمين إضافة لعرب الجزيرة! ويمتد هذا العالم من المحيط الأطلسي وحتى الخليج، ومن الصحراء الأفريقية جنوبا وحتى تخوم هضبة الأناضول شمالا، وبالتالي فإن اي تعميم عمن يسمون بالعرب، وخبراتهم، وغرائزهم وأساليب عيشهم وسياساتهم ومعتقداتهم يجب أن يتم التعامل معه بحذر كبير. فان تقول انك عربي يشبه أن تقول أنك أوروبي، فالهوية هنا غير واضحة! فمن الصعب أن تقنع سودانيا مسيحيا أو وثنيا لا يتكلم العربية أو من بربر جبال المغرب أنه عربي، وأنه عضو في الجامعة، فهو سيسخر من ذلك حتما.
وبالرغم من ان الغالبية تتكلم العربية إلا أن من الصعب على السوري «العادي» أن يفهم ما يقوله المغربي «العادي» مثلا، فالحدود التي تقسم الدول العربية لم تحددها تاريخيا الفروق الاثنية أو الدينية بين الدول العربية، بل هي من صنع الدول الاستعمارية التي كانت تحكم المنطقة. وبالرغم من ان غالبية العرب يدينون بالإسلام فان غالبية المسلمين ليسوا بعرب، وبالرغم من أن الإسلام يعطي العرب شعورا قويا بالانتماء إلا أنه عامل تفريق في الوقت نفسه، إما بسبب الفروق المذهبية بينهم أو بسبب عدم إيمان الكثير من المتشددين دينيا بالقوميات السياسية. كما أن العالم العربي يشكو من قلة محاولات الوحدة بين كياناته، ودور الجامعة العربية لم يزد يوما عن محاولة عقد لقاءات لمناقشة الاختلافات بين الاعضاء والاستمرار في مناقشتها دورة بعد اخرى.
ولو نظرنا لفسيفساء الشعوب العربية لما وجدنا لباسا موحدا أو طعاما مشتركا يجمعهم، أو ملامح قريبة من بعضها. وحتى الدول الخليجية الأقرب من غيرها لبعضها البعض تختلف شعوبها في غالبية مظاهرها الداخلية والخارجية وفي العادات والطعام، وحتى في الأهواء والرغبات. ويقول كاتب المقال ان قناة الجزيرة ربما قامت بدور في تقارب العرب أكثر من اي جهة أخرى.