السرقة التي تأخرت عشر سنوات
دخلنا الفيللا التي كانت السكن الخاص للوزير والسيناتور محمد محمود خليل والتي تحولت بعد سنوات من وفاته لمتحف رائع، وهالنا وضعه المؤسف من تكدس المعروضات بشكل مثير للشفقة وشبه انعدام الحراسة فيه، وعندما دخلنا الغرفة التي كانت تعرض فيها لوحة «زهرة الخشخاش» لفان كوخ واقتربت منها كثيراً ونقرت عليها أصابعي بقوة، ولكن ردة فعل موظفة الأمن المحجبة التي كانت تجلس على كرسي خشبي بسيط في احدى زوايا الغرفة، كانت كما توقعت، حيث لم تحرك ساكناً من مكانها واكتفت بقول: «ممنوع اللمس يا بيه»! يومها استغربت ومن معي من اكتفاء سلطات الآثار المصرية بوجود موظفة لا يزيد راتبها الشهري ربما على 25 ديناراً (80 دولاراً) لحراسة لوحة يزيد سعرها على 50 مليون دولار والمحافظة عليها، بخلاف كم كبير من المقتنيات الثمينة الأخرى التي يزيد ثمنها على مئات ملايين الدولارات.
وفي الشهر الماضي تحقق ما توقعناه قبل 10 سنوات، عندما استغل لصوص، ربما غير محترفين، ضعف وسائل الرقابة والحراسة في المتحف وقاموا بخلع لوحة الفنان الهولندي فان كوخ من اطارها ولفها وأخذها معهم من دون أن يشعر احد باختفائها، كما يجب أن يكون عليه الحال في أي متحف يتمتع بأدنى درجات الأمان، علماً بأن تلك اللوحة هي الوحيدة من نوعها الموجودة بحوزة أي دولة عربية أو شرق أوسطية، ويبدو أنها اختفت للأبد!!
تقع فيللا السيناتور محمد محمود خليل في أجمل منطقة في القاهرة، على النيل مباشرة، وقد بنيت عام 1915 على طراز غربي فريد يتجلى في هيكل مدخلها المكون من الحديد والزجاج وفخامته التي لا تخطئها العين. وقد ظلت الفيللا سكناً لعائلته حتى 1960 ومقراً لمقتنياته الثمينة، ولكن في عام 1962، وبناء على رغبته وبدعم قوي ووصية من زوجته الثانية الفرنسية اميلين هكتورلوس تحولت الفيللا لمتحف يحمل اسمه واسم زوجته ويكون بإشراف وزارة الثقافة المصرية. ويقال ان الزوجة الفرنسية دخلت في صراع في المحاكم مع ابناء زوجها من زواجه الأول، الذين كانوا يرغبون في جعل الفيللا ومحتوياتها ضمن تركة والدهم، ومن ثم بيع كل شيء فيها وتقسيم العائد بينهم، ولكن الزوجة «الأجنبية»، ويا للعجب!! أصرت على موضوع التبرع وعدم البيع، وفي موقف نادر، وقفت الحكومة المصرية معها، انتصاراً لتضحيتها ولتاريخ زوجها وللفن والأهم من ذلك لتاريخ مصر.
كان محمد محمود خليل محباً للفن، وهو الذي أسس جمعية محبي الفنون الجميلة في عام 1924 وترأسها لفترة طويلة. كما عمل وزيراً للزراعة ورئيساً لمجلس الشيوخ، أيام عز مصر. كما منحته الحكومة الفرنسية أرفع الأوسمة والنياشين لدوره في أكثر من مجال، وكان يهوى اقتناء التحف والتماثيل والرسومات العالمية وبذل الكثير من المال والجهد ليجلبها لوطنه، وتوفي في باريس في عام 1953.
بالرغم من فضيحة السرقة التي تعرض لها المتحف اخيراً، فانه يستحق الزيارة بلا شك.