النفط وصندوق البندورا

يستخدم تعبير pandora box عند التطرق لأي مسألة خلافية ومحل اعتراض، والتعبير مستقى من الأساطير اليونانية، ويشير إلى المرطبان الذي يهدى لـ«بندورا» الأغريقية التي ما إن تفتحه حتى تخرج لها كل الشرور، وهذا ما حدث لي عند الكتابة عن إنتاج النفط وتسويقه، فكأنني فتحت صندوق بندورا عندمت كتبت معلقا على مقال السيد كامل حرمي، بخصوص حقول الشمال، حيث شعرت بأنني ضغطت على دمامل قديمة وأن أكثر من جهة استاءت مما كتبت! كما تبين أن «قضية إدارة القطاع النفطي» يكتنفها الكثير من الغموض وتبدو الحلول أكبر من قدرة أي مسؤول، وخاصة في ظل حالة «السماري» التي تعيشها البلاد. نقول ذلك مع حفظ الاحترام لكل أولئك المخلصين والشرفاء الذين حاولوا ونجحوا، ولو جزئيا، في القيام بواجباتهم.
بعد نشر مقالي السابق، وبناء على ما ابديته من رغبة خاصة، قام الشيخ سعود الناصر، وزير النفط السابق، كأملنا به، بالاتصال، وشرح موقفه من قضية حقول الشمال، وكيف أنه أيد القرار في حينه بناء على طلب كتابي من شركة نفط الكويت، وكيف أن الأوضاع الامنية في العراق وعلاقته المتوترة معنا في تلك الأيام والتهديد المستمر لحدود الكويت وحقولها النفطية المتاخمة للحقول العراقية حتمت التفكير في الاستعانة بالشركات النفطية الغربية للقيام بعمليات الاستكشاف والإنتاج ولتقوم بصرف مليارات الدولارات في تطوير الحقول وزيادة قدراتها مقابل أجور محددة يتم دفعها لها بطرق محددة سلفا. واعتبر قرار الاستعانة في حينه سياسيا على المدى القصير ومجدياً مادياً على المدى الطويل، وكفيلاً بردع صدام عن القيام بحماقة أخرى.
وفي ظل غياب معلومات كافية لا يمكنني إلا موافقة الشيخ سعود على ما ذكر لانسجامه مع المنطق، خاصة أن الكثيرين جاروا هذا التبرير وقتها، وكنا أحدهم!
ولكن من المهم أن نبين أن شركة نفط الكويت كانت تأمل من وراء الاستعانة بالشركات النفطية الأجنبية، من واقع دراستها المؤرخة في مايو 1998، الوصول بإنتاج الكويت إلى 3 ملايين برميل يوميا بحلول 2005! وهذا ربما لم يكن قرارا صائبا في حينه، في ظل استمرار ارتفاع اسعار النفط ومحدودية «كوتا» أوبك والتي كانت، وربما لا تزال، بحدود مليوني برميل يوميا!
كما بينت الاتصالات أن ما سبق أن كتبه السيد حرمي ليس دقيقا بالمطلق، فزيادة انتاج حقول الشمال التي تحدث عنها بإطناب لم تكن أصلا محل شك، لأنها من نوع الإنتاج السهل الاستخراج، أما الصعب فلا يزال في المكامن الصعبة وليس بمقدور «نفط الكويت» الوصول إليه، وهو الذي لا يزال يتطلب التطوير من خلال الاستعانة بالشركات النفطية الكبرى. كما أن السيد حرمي بالغ في تحميل جهات عدة المسؤولية، ربما لأنه اعتمد في مقاله على مصدر غير محدد أو لأسباب شخصية!
وتبين كذلك أن السلطة أخطأت في تسييس عمليات استكشاف النفط وإنتاجه وتسويقه، وسمحت للمنتمين للتيارات الدينية بالذات بإزاحة جميع الخبرات النفطية من مواقع المسؤولية وتعيين «أقربائهم ومحازبيهم» في المناصب العليا، وهؤلاء لم يترددوا في تشجيع أصحاب الخبرات الطويلة على الاستقالة أو تجميدهم في وظائفهم! وحيث ان الصناعة النفطية، كأي صناعة كبيرة ومعقدة، تتطلب من شاغلي مناصبها العليا ضرورة تدرجهم وظيفيا، فإن انعدام خبرة «المديرين الجدد» المعينين لأسباب سياسية وقبلية كلف المال العام الكثير ولا يزال النزيف مستمرا.
وبسبب درجة التسييس البالغة الخطورة التي وصلت إليها أوضاع الشركات النفطية فإن من المهم التفكير في الاستعانة بمؤسسة استشارية أجنبية للقيام بدراسة الوضع بعيدا عن الطائفة والسلف والتلف أو الإخوان، ووضع الحلول الناجعة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد أن ترهلت جميع أنشطتها الإنتاجية والتسويقية والإشرافية.
والخلاصة، كما بينها الشيخ سعود الناصر بوضوح، هي أن التجارب أثبتت أن ليس من المجدي زيادة الإنتاج، وإننا كلما أطلنا في عمر مخزوننا النفطي كان ذلك أفضل للكويت وشعبها على المدى الطويل.

***
• دعوة: يقيم مركز الحوار للثقافة (تنوير) اجتماعا لجميع أعضائه وأصدقائه يوم غد (الثلاثاء) الساعة السابعة مساء في الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية في الخالدية، مقر صوت الكويت، وسأكون متواجدا وأتمنى من المحبين والأصدقاء الحضور لأهمية فكرة المركز في هذه الظروف.

الارشيف

Back to Top