دولة وزير الداخلية العميقة
حكم على إسماعيل السيد بالإعدام بتهمة المشاركة مع غيره من الإخوان المسلمين في اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر، لكنه نجح في أواخر الخمسينيات في الفرار من السجن، ووصل للكويت (جنة الإخوان منذ عام 1948، وحتى اليوم)، وبقي فيها لأكثر من نصف قرن، قبل أن تأتيه المنية ويدفن في مقابرها قبل بضع سنوات.
كان إسماعيل، لسبب ما، يثق بي، على الرغم من كل ما كان بيننا من اختلاف في الفكر والرؤية، وكان يردد دائماً، وأمام الجميع، بأنه يثق بأمانتي، وأنه وجد لديّ ما لم يجده في «الإخوان»، من اطمئنان على ماله وأهله، وقام بالفعل بتسجيل بيته باسمي وأوصاني على أبنائه بعد مماته، وقمت بتنفيذ وصيته كما أراد.
عندما تقدّم به العمر قرّر العودة لمصر، بعد غياب طال لأكثر من نصف قرن، لرؤية ما تبقى له فيها، واستعد لذلك مبكراً، حيث استصدر عفواً رئاسياً من السادات، وآخر من حسني مبارك. وفي مطار القاهرة قبض عليه واقتيد للتحقيق، وبعد إهانة واستجواب استغرق ساعات طويلة أطلق سراحه، وقبل المغادرة تجرّأ وسأل الضابط عن الكيفية التي تعرفوا بها عليه، علماً بأنه كان يحمل جواز سفر دولة أخرى، فرد عليه الضابط بكل ثقة: يا حضرة... الناس تموت، الرؤسا بتموت... أوراق المخابرات ما بتموتش!
* * *
تذكرت النص أعلاه، الذي سبق أن كتبته قبل سنوات، بعد أن تلقيت مكالمة من صديق، يطلب مني مراجعة بياناتي على «سهل»، وطلب مني الاطلاع على ما هو مذكور عن نوع جنسيتي، وأنني سأفاجأ بكم المعلومات التي تعرفها الدولة عني، وخاصة وزارة الداخلية. وقال إن تغييراً ما طرأ على نوعية جنسيتي، بحيث أصبح وصفها مختلفاً عن السابق، وهذا يؤكد ما أشيع عن رغبة الحكومة في قصر المشاركة في الانتخابات على فئة من حاملي الجنسية، دون غيرها، لكن يبدو أن قراراً شفهياً صدر يقضي بصرف النظر عن الموضوع.
* * *
شعرت بالقلق من كم المعلومات التي تعرفها الدولة عني، هذا غير الذي لم يفصح عنه في تطبيق «هويتي»، لكني شعرت في النهاية بالاطمئنان، فنحن نعيش بالفعل في زمن تزايد فيه جنون التطرف، الديني والعقائدي والعنصري والطائفي، حداً لا يمكن تخيله، بحيث أصبحت حاجتنا للأمن كحاجتنا للهواء والماء، وبالتالي من المفترض أن لا أقلق لامتلاك الدولة كل هذه المعلومات عني، طالما أنها لا تضرني، طبقاً للمثل: لا تبوق (أي لا تسرق) لا تخاف!
* * *
المعلومات التي بحوزة الأجهزة الأمنية عن كل مواطن تجعلني أؤمن بأنها تعرف من هم «مزورو الجنسية» بيننا، ومن سهّل لهم الحصول عليها، لكنها، لأسباب عدة، لا تريد الكشف عنهم.
وبهذه المناسبة، نود الإشادة بالجهود الإصلاحية الأخيرة لوزير الدفاع، وزير الداخلية، ونتمنى استمراره في نبش ملفات الوزارتين، وشكره على الإقدام على ما لم يحاول من سبقه الإقدام عليه، وأن يوفق في النهاية في فتح ملف المزورين، الخطير.
أحمد الصراف