سمو الرئيس.. ومأساة نايف في الدولة الدينية
ماذا لو كان بيكاسو الأسباني كويتياً؟ ماذا لو كان الرسام الإيطالي «سلفادور دالي» كويتيا؟ ماذا لو كان بيتهوفن الألماني كويتيا؟ أو كان المخرج الأمريكي الأشهر «ستيفن سبيلبرغ» كويتيا؟ أو كان مصمم رقصات الباليه الروسي «بيتيبا»، والروائي الأوكراني (الروسي) ليو تولستوي، والفيلسوف اليوناني سقراط وغيرهم الآلاف من فلتات الزمان، في الفلسفة والفن والثقافة والأدب، وعشرات المجالات الأخرى من فكر واختراع وهندسة، من حاملي الجنسية الكويتية؟
الإبداع الإيجابي مسألة صعبة وبحاجة لمناخ حر. فكما أن الفنان والمثقف والروائي والكاتب والصحافي بحاجة للإبداع، فإن المدرس والمهندس والموظف الحكومي بحاجة لمناخ حر لينتج ويبدع ويتقدم. مناخ التعسف والكبت والمنع هو ضد الحرية، وضد الإبداع وضد الطبيعة البشرية، وبالتالي كان بيكاسو سيفقد رغبته في الرسم بعد رسم لوحتين عند اعترض مراقب الوزارة على وجود ما يشبه الثدي في إحداها. وكان «ليو تولستوي» سيمزق ما خطته يداه من فصول روايته، إن رفض الرقيب إجازة ما كتب، وسيعتزل ستيفن سبيلبرغ الإخراج إن منع الرقيب لقطة لم تعجبه، وهكذا مع بيتهوفن وشوبان ومحمد عبدالوهاب، وأم كلثوم وغيرهم الآلاف من المبدعين.
* * *
يوم أبدعت الكويت في المسرح والرياضة والغناء والرواية والاخراج والقصة والرسم وغيرها، كانت هناك حرية وكانت هناك دولة مدنية. ويوم أصبحت أقرب للدولة الدينية، اختفت كل تلك الإبداعات، وتخلف التعليم، وزاد الفساد، وتدهورت نفسية الموظف، واصبح المواطن شريكا في الخراب. فخالد النفيسي وعبدالحسين وغنيمة وسعاد والمئات غيرهم لم يأتوا من فراغ بل جاءوا نتيجة وجود مناخ حر. كما سبقهم بعقود مبدعون آخرون، وقبل ظهور النفط، من أمثال فهد العسكر وخالد الفرج وأبناء عزرا، صالح وداود الكويتي، وكل ذلك يعود الفضل فيه لمناخ الحرية الذي كان سائدا، والذي استبدلنا به ثقافة خشنة وقاسية، تخلى عنها حتى من عرّفنا عليها، فتضاءل هامش الحرية تدريجيا، بدعم من جهات متنفذة، وفي مراحل متعددة، ولا يزال مستمرا في تضاؤله، ولا ندري متى ستحدث الاستدارة!
* * *
اسمح لي سمو الرئيس بسرد المثلين التاليين:
تنص مواد الدستور على مدنية الدولة، كما ينادي بذلك أيضا العقل السليم. وعشنا قرابة نصف قرن، وقبلها بكثير، دون أن نسمع بالتعليم «عن بعد» في العشر الأواخر من رمضان..! فكيف يمكن قبول ذلك في هذا العصر الذي نحن فيه، مع كل ما يعانيه التعليم من تخلف، أليست هذه تصرفات دولة دينية؟
كما هناك قضية د. نايف المطوع، الذي يعمل مدرسا مساعدا لعلم النفس في كلية الطب في جامعة الكويت، وهو شخص معروف وله إبداعات محلية ودولية ومجاز كطبيب وكمدرس ومعالج من عدة جامعات، داخل وخارج الكويت، ويحمل ثلاث شهادات دكتوراه من جامعات معترف بها. فوجئ د. نايف قبل أيام بصدور فتوى من «مدرس شريعة»، ردا على سؤال لأحد طلبته، ينص على عدم ضرورة حضور محاضراته، وذلك لشكوك «مدرس الشريعة»، غالبا، في مواقف وآراء د. نايف!
قام الأخير، بعد تغيب عدد من طلبته من حضور محاضراته، بالاحتجاج شفهيا عما حصل، ثم اتبعه باحتجاج كتابي لإدارة جامعة الكويت، لكن لا جهة تحركت، حتى ساعة كتابة هذا المقال، لوضع حد لهذا الاستهتار بنظم الدولة وقوانينها المدينة، علما بأن من أصدر الفتوى مدرك أنه «قد» يتعرض، في أسوأ الأحوال، لتأنيب شفهي، لكنه حقق هدفه المتمثل في الإساءة البالغة لسمعة ومكانة «شخصية مبدعة»!
فهل علينا الرضوخ لآراء المفتي وأمثاله ونحن في عام 2024؟
أحمد الصراف