آية الله الحيدري والشيخ المفيد

بيني وبين رجال الدين ودٌّ شبه مفقود، مع استثناءات نادرة، فلم أقتنع يوماً بأن لديهم، ولأي دين أو مذهب انتموا، أجوبة على ما تواجهه المجتمعات والأمم من معضلات عصرية، ولم يعرف عنها موقفها الواضحة من آلاف القضايا، لذا اختار العُقّال بينهم التصالح مع أنفسهم ومع الوضع العام والقبول بمكانتهم الحقيقية، ووضع اللامعقول جانباً، وإجراء إصلاحات جذرية في خطابهم الديني، وترك الساحة السياسية لأصحابها، والتفرغ لرسالة الدين الروحانية، وتجنب خلط الديني بالمدني، الذي أتعب مجتمعاتنا وخنقها بأصفاد الماضي، وجعلها تقف عاجزة أمام سيل الإنجازات العلمية والمعرفية والطبية والفضائية وغيرها الكثير التي لا تعرف كيف تتصرف إزاءها.

كما تشكو مجتمعاتنا، ربما أكثر من غيرها، من معضلات اقتصادية وصحية وجنسية وثقافية واجتماعية ومن فقر أخلاقي وتربوي ودراسي، وتصبح أكثر صعوبة مع غياب الأجوبة والحلول، بالرغم من أن مجتمعاتنا هي الأكثر «اكتظاظاً» برجال الدين. لكن ما يتلقاه هؤلاء في معاهدهم المتخصصة لا يخرج عادة عن الحفظ والتلقين، مع رفض تام للتفكير النقدي، أو دراسة العلوم الحديثة، وهذا يجعلهم عاجزين عن إيجاد الحلول لمعضلات العصر، خاصة في المجتمعات الفقيرة أو المتخلفة، وخير دليل على ذلك أنهم حكموا إيران ومصر والعراق، والسودان وتونس وغيرها، ومع هذا لم يستطيعوا تقديم أي حلول عملية لمشاكل الدولة، واختفى مع الوقت شعار «الإسلام هو الحل»!

لا أدعي أن «كل رجال الدين»، بسطاء الفهم، سطحيو التفكير، فهذا ليس من حقي، لكن لم تتح لي الفرصة لمعرفةٍ أعمق بالكثيرين منهم، وبالتالي كان لافتاً للنظر قراءة سيرة وآراء ومواقف السيد كمال الحيدري، أحد أكثر رجال الدين الذين ظهوراً على وسائل الإعلام، وأغزرهم إنتاجاً ومعرفة بأمور الدين.

ولد الحيدري في كربلاء عام 1956، وهو أحد خمسة إخوة أعدم صدام ثلاثة منهم، وتوفى الأكبر بمرض عضال. كانت رغبة والده أن يدرس الهندسة أو الطب، لنباهته وذكائه لكنه اختار، بعد حيرة، طريق الدراسة الدينية، التي تنقسم في الحوزات لثلاث مراحل؛ مرحلة المقدمات، والسطوح، ومرحلة البحث الخارج.

انتقل الحيدري للنجف، المركز الأهم والأكبر للعلوم الإسلامية الشيعية، وتلقى الدرس على يد كبار رجال الدين فيه، وصدر له أكثر من ستين مؤلفاً، ومئات الخطب والدراسات والبرامج والمطارحات، وغالبيتها أسست فتحاً جديداً وبكراً في منهج الحوار الديني، مع الآخر.

ظهر الحيدري قبل فترة في مقطع فيديو قال فيه إنّ الكثير من المَوروث الروائي الشيعي مدسوس ومنقول من الغير!

وعلى الرغم من أنه لم يأتِ بجديد، فقد كَثُر ترديد هذا الكلام منذ خمسينيات القرن الماضي تقريباً، إلا أن صدوره مِمَن بمكانته شكَّل هزة قوية.

كما سبق أن قال إن غالبية أصول المذهب الاثنى عشري ظهرت على يد الشيخ المفيد في القرن الرابع الهجري، وإنه لم يطلع أو يقرأ شيئاً يماثل ذلك نقلاً عن الإمام الصادق، المؤسس الفعلي للمذهب الجعفري (80–148 هجرية). وهنا أيضا أثار حديثه الكثير من اللغط، على الرغم من أنه أيضاً ليس بجديد، فقط لكونه صدر من أرفع رجل دين يتطرق لهذا الموضوع. علماً بأن فترة «لشيخ مفيد التي يتكلم عنها هي مقاربة لنفس الفترة تقريباً، التي يقال إن غالبية تراث الفقه السني وضع أو كُتب فيها في عهد العباسيين.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top