أُمُّ المآسي.. وكفى!
مأساة التعليم في الكويت تكمن في أمر واحد لا غير، ويتمثل هذا الأمر في عدم إيمان الإدارة الحكومية بأهميته القصوى، وأن هذه الأهمية يجب أن تسبق أي أمر اقتصادي أو تجاري أو بشري آخر، فمن دون تعليم جيد لا شيء يمكن أن يكون جيداً، وعدم اقتناع الحكومة التام بهذا الأمر هو سبب تخلفنا، ولا يكفي القول إنها تصرف المليارات على التعليم، فهذا الصرف يذهب في أغلبيته للرواتب، حيث يبلغ عدد المعلمين والمعلمات الكويتيين 73 ألفاً، منهم ثلاثة وعشرون ألفاً لا حاجة لهم، والأسوأ من ذلك أن تخصصات %90 معروفة، وتتراوح بين الرسم والتربية البدنية، ومواد سهلة أخرى، ولم يكن غريباً تكرار صدور إعلانات طلب مدرسين «غير كويتيين» في الفيزياء واللغة الفرنسية والرياضيات والعلوم والكيمياء والأحياء والجيولوجيا والفلسفة، وستة من هذه الشواغر التسعة مطلوبة في صلب «اقتصاد المعرفة»، الذي تنادي به خطط التنمية، لكن شبابنا مغرمون بمخرجات كلية التربية، الفائضة أصلاً، خاصة أن الحكومة مستمرة في توظيفهم، فهي عاجزة عن أن تقول لهم «دبروا حالكم»، فأين ستذهب مدرّسة الرسم مثلاً، والقطاع الخاص لا يعطيها ربع ما تحصل عليه من راتب حكومي، هذا على افتراض حاجة القطاع لها؟ هذا الفائض يبين مدى استهتارنا بقيمة المعلم ودوره الخطر، ويسيء بشدة للقلة المخلصة، التي نذرت نفسها لهذه الوظيفة السامية، بالرغم من سلبياتها المتمثلة أساساً في ما أصبح عليه الطالب من «رداءة»، والمناهج من تخلّف وتردٍّ.
إن وزير التربية، بالتعاون الكامل مع رئيس الوزراء، معني بوضع حل لمشكلة التعليم، ووقف انحدار مستوى الطالب والمدرّس، وما يتبع ذلك عادة من انحدار مستوى الوطن ككل، وهذا يتطلب أمراً في غاية الأهمية، وهو وضع خطة تعليم حديثة، واعتمادها من مجلس الوزراء، وعدم السماح لأي مسؤول بالتدخل فيها!
* * *
التربية ليست فصلاً ومنهجاً ومعلماً، بل أكثر من ذلك. فالطفل يتعلم من أسرته وبيئته، ومن وسائل التواصل والإعلام والمنابر، وأصبح أثر ما يبث عليها أكبر من أثر كل المصادر والعوامل الأخرى، ومن الضروري بالتالي التيقن من أنه غير ضار من جهة، ولا يتناقض جذرياً مع مناهج المدرسة، فتناقضها سيخلق حتماً ربكة في عقل الطفل، خاصة أنه غير مهيأ لمعرفة الفرق بينهما، مع استمرار منع تدريس مادة «التفكير النقدي». وسبق أن مررت بتجربة غريبة قبل ستين عاماً، عندما كنت أدرس مساءً في ثانوية كيفان، حيث شكوت من تناقض بين مادتين، ومع إلحاحي في طلب تفسير الأمر، قام ناظر المدرسة باستدعاء «المباحث» للتحقيق معي، وكان تحقيقهما في غاية الأدب، وبينت لهما صفحات التناقض، في كتابي المادتين، فطلبا مني، بلطف جم، التوقف عن إثارة شكوك بقية الطلبة في جدية أو صحة ما يدرس لهم من مواد!
أكتب هذا بمناسبة تزايد تطرّف لغة الخطاب الديني من قبل بعض رجال الدين، الذين لديهم مئات آلاف المستمعين، خاصة عند تطرقهم لأمور لا معنى لها، لكنها تخلق بلبلة شديدة، وكان آخرها حكم لباس صلاة «المرأة الحرة»، مقارنة بـ«صلاة العبدة»، أو الأمة؟ حيث ذكر أن الأولى ملزمة برداء صلاة كامل، أما صلاة الأمة، المملوكة، فلا قيود عليها، ويمكنها الصلاة حتى لو كانت نصف عارية!
ما يقال على القنوات الدينية، ويروّج له، لا علاقة له بما نراه على أرض الواقع، فأين هي المرأة العبدة المملوكة لسيدها، لكي نعلمها بما عليها أن ترتديه؟
وماذا عن بقية قضايانا الخطرة؟
وكيف لمراهق يستمع لهؤلاء ربط كلامهم بما يتعلمه في المدرسة؟
أليس هناك عاقل، وصاحب سلطة، يقول لهؤلاء.. «كفى»؟
أحمد الصراف