المخالفة الجسيمة القادمة
حرصاً من وزارة الشؤون على تلافي مخالفات جمعيات النفع العام، وتعديل أوضاع غير القانوني منها، جاءت فكرة السماح لها بالاستثمار التجاري داخل مقارها، في ظل تنامي أعدادها، التي بلغت 150 جمعية أهلية، وما يزيد على 70 خيرية مشهرة.
وقد تلقت «الشؤون» مخاطبة رسمية من مجلس الوزراء، تطلب منها التنسيق مع وزارة المالية وبلدية الكويت، لتقديم تصورها عن هذا النشاط، وموافاة المجلس بقرارها، خلال شهرين. ووفقاً لمصادر «الشؤون»، فإن الوزارة بصدد تشكيل فريق عمل يضم، إلى جانب إدارتي الجمعيات الأهلية والخيرية (المبرات)، ممثلين عن وزارة المالية - إدارة أملاك الدولة، وبلدية الكويت، لبحث الأمر من كل الجوانب، لا سيما القانونية منها، وعمل دراسة شاملة حول إمكانية السماح للجمعيات بالاستثمار، بما يوفّر لها رافداً مالياً يساعدها على تحقيق أهدافها المجتمعية، التي أشهرت لأجلها، ثم رفعه إلى وزير الشؤون للعرض على مجلس الوزراء، للمناقشة واتخاذ قرار حيال فكرة السماح للجمعيات باستثمار مقارها، وأن الوزارة ستحصر المساحات المستثمرة حالياً داخل مقار جمعيات النفع العام الأهلية والخيرية، وحصر كل المساحات الداخلة ضمن نطاق مقار الجمعيات والمستغلة في تنفيذ أي أنشطة استثمارية، للتأكد من حصولها على التراخيص اللازمة المتعلقة باستغلال تلك المساحات.
* * *
نحذّر قبل كل شيء من هذا التوجّه، فستكون له تبعات ضارة مجتمعياً واقتصادياً، وقد يكون مدخلاً للفساد، وصداعاً مزمناً للجهات الرقابية في وزارة الشؤون. فمن المؤسف مثلاً تحوّل نوادٍ رياضية لمحلات بيع الأطعمة السريعة التحضير، الضارة بالصحة، وفتح فرع آخر لتخسيس الوزن أو كنادٍ صحي. وهذا سيدفع أغلبيتها حتماً للانصراف إلى العمل التجاري المربح بدلاً من التفرغ لتحقيق الهدف، الذي تأسست من أجله.
كما أن أنشطة تجارية في مقار وأفرع الجمعيات، أياً كان نوعها، والتي تقع أغلبيتها في مناطق سكنية، ستكون مصدر إزعاج لسكّان المنطقة، وتجمعاً للمصبنة، حتى ساعات الليل المتأخرة، وتحوّل المنطقة السكنية إلى قطعة تجارية.
كما أن تحوّل الجمعية، والخيرية بالذات، إلى الأنشطة التجارية يعني مضاعفة أعداد مراقبي حساباتها وتصرفاتها، خصوصاً أن الكثير منها يشكل حالياً مصدر صداع مستمر للوزارة، وعليها مخالفات جمع تبرعات، فمن الذي سيحدّد أين ستذهب أرباح عملها التجاري؟ ومن أين؟ وكيف سيتم شراء المواد التي ستباع في هذه الأفرع؟ وإن كانت الجمعية غير قادرة على الاستمرار بسبب نضوب مواردها من التبرعات، ففتح فرع تجاري ليس الحل، بل الحل في تصفية الجمعية، وهذا يصب في مصلحة الجميع، عدا المشرفين عليها.
تطبيق هذا القرار سيؤثر أيضاً على الأنشطة التجارية الأخرى، التي تعمل حالياً تحت ضغط كبير، وفتح باب المنافسة غير العادلة عليها من جهات لا تدفع إلا القليل، كإيجار وماء وكهرباء وعمالة، أمر في منتهى الخطورة. كما سيدفع فتح هذه الأنشطة إلى تزايد التعديات الصارخة على أملاك الدولة، وفكرة السماح بالاستثمار داخل مقار الجمعيات ليس حلاً لمخالفات بعضها الحالية. فهناك ما يزيد على 220 جمعية (150 أهلية، إضافة إلى سبعين خيرية مشهرة)، نصفها خامل لا يعمل، وفتح هذا الباب سيدفعها جميعاً لأن تنشط ثانية، فقط لكي يستفيد بعض المشرفين عليها من أرباح عملها التجاري، وغالباً، ستتم إدارة الفروع التجارية لهذه الجمعيات من قبل شركات أكبر، ولا تدفع للجمعية غير الفتات.
الخلاصة: الموافقة على هذا المقترح سيمثل ما يقارب الجريمة بحق المجتمع، ككل.
ابحث عن المستفيد.
أحمد الصراف