وهم صدام وناصر.. وأزمة أمة
بقاء الوله والإعجاب بصدام وجمال في قلوب البعض لدينا، ولدى الكثيرين من العرب، خير مثال على أننا أمة عاطفية تغرم بالدكتاتور المستبد، وتصدق الشعارات والخطب، وتهفو أفئدتها للشعر والمدح، ولو كان صارخاً في كذبه، وتصدق الوعود ولو كانت فارغة، وتؤثر فيها الدعاية الحزبية حتى لو كانت تافهة، حتى المتعلم يصبح، في مثل هذه المواقف، مثالاً للإنسان البسيط، فبالرغم من مرور ما يقارب الستين عاماً على تمثيلية استقالة جمال عبدالناصر، إثر هزيمته الشخصية، وهزيمة نظامه المنكرة والمخجلة، والرهيبة في كل تبعاتها، عام 1967، أمام جيش دولة لا يزيد تعداد سكانها على أربعة ملايين بكثير، إلا أن كل تلك السنين لم تنسني حقيقة أنني بكيت وأنا أسمع، بسذاجة مفرطة، نبأ استقالته، فكم كنت جاهلاً، وربما لا أزال!
* * *
يقول الأستاذ فيليب بيداويد، السويسري، العراقي المولد:
كان صدام غبياً منذ اليوم الأول، ما يواجهه العراق الآن من كوارث، يعود سببه لحماقته وسوء تقديراته وخطأ تفسيره لنوايا الغرب، وأمريكا بالذات. بسبب تهور وبطش صدام أصبح العراق يعاني، منذ أكثر من عشرين عاماً، من خراب وفساد، وسيستمر في معاناته لجيلين آخرين، على أقل تقدير، وكل ذلك بسبب إدارته الغبية، وإحاطة نفسه، كأي دكتاتور، بمجموعة من أنصاف المتعلمين والأغبياء، من نوعية yes sir!
* * *
صدرت قبل بضعة أشهر، عن دار «سيمون وشستر» العالمية، دراسة قيمة للكاتب البريطاني ألكس روول، الذي يتكلم العربية بطلاقة، ومن شدة إعجابي بالكتاب، وهذا ما شاركني فيه الزميل والصديق محمد الرميحي، فقد قررنا، وعدد آخر من الأصدقاء، الاتفاق مع دار نشر لبنانية لترجمة وطباعة وتوزيع الكتاب، ولو مجاناً، بغية نشر الوعي، وتبيان حقيقة نظام عبدالناصر ومدى الأضرار التي تسبب بها، ليس لوطنه فقط، على مدى 18 عاماً من الحكم العسكري الاستبدادي، الذي لا تزال مصر، بعد 54 عاماً، تدفع ثمنه، بل وتأثيره المخرب على دول عدة كلبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا.
تبيّن لنا، بعد جهد كبير، أن المؤلف قام بالاتفاق مع دار نشر لبنانية على ترجمة الكتاب ونشره، وربما تواجه هذه الدار مشكلة مالية، فلا هي قادرة على إكمال الترجمة، ولا نحن قادرون على ترجمته.
* * *
كتاب روول we are your soldiers أو «نحن جنودك»، لم يضف الكثير إلى ما كنت أعرفه عن ناصر، لكنه ساعدني في ترتيب قطع الجكسو jigsaw لتصبح الصورة واضحة أمامي، وتفسير الكثير من الأمور، التي لم أكن أعرف خلفياتها، وما تسبب فيه ناصر من تخريب، سواء باسم العروبة والوحدة، أو باسم دول عدم الانحياز، وحروبه العبثية، وهذا ما كان متوقعاً من ضابط جيش، لم يتجاوز الـ35 من العمر، وتعليم متوسط، أن يقوم به، كحاكم مطلق لمصر؟
يستطرد الكاتب، على مدى 340 صفحة، بالغوص في أحداث انقلاب 1952، واستيلاء ناصر على الحكم، وظروف الوحدة مع سوريا، وإطلاق يد عبدالحميد السراج، وزير داخلية «الإقليم الشمالي»، وحاكم سوريا الفعلي، الذي عبث بكامل مقدرات سوريا وكرامة شعبها، وكانت تلك بداية سقوطها في فخ الدكتاتورية، والتخلّف والخراب تالياً.
كما يتطرق الباحث روول لدور عبدالناصر في تشجيع الانقلابات والاغتيالات في أكثر من دولة، وتورطه في حرب اليمن عام 1962، التي استنزفت مصر حتى العظم، ومتاجرته بالقضية الفلسطينية، وتقلّب مواقفه بين الملك حسين وعرفات، وصولاً إلى أحداث ما سمي بـ«أيلول الأسود» عام 1970.
يتضمن الكتاب شرحاً مؤلماً لما حدث من اغتيالات في لبنان، وبتعليمات، أو بعلم، من عبدالناصر، سواء في حادثة اغتيال الصحافي اللامع كامل مروة، أو قتل المفكر ورئيس الحزب الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، الذي تعرّض لتعذيب رهيب قبل قتله، ولم تشفع تدخلات زعماء، مثل كاسترو ونهرو، في معرفة مصيره، أو حتى الاستدلال على جثته!
الكتاب مليء بكم كبير من المعلومات، وجدير بالقراءة.. بالفعل.
أحمد الصراف