غمزة البنت وبطولة أحمد الفضل (2 - 2)
شكّلت الكويت عامل جذب لسكان مختلف المدن، فجاءتها أفواج المهاجرين من مشارب وأعراق وخلفيات دينية ومذهبية مختلفة، من أربعة أركان الجزيرة العربية، ومدن وسواحل فارس، ومن بلاد الرافدين، وخليط من العرب المسلمين والأتراك واليهود والمسيحيين، جاء أغلبيتهم يوم لم يكن هناك ماء ولا رخاء ولا نفط ولا ازدهار، بل وجدوا فيها الحرية والمجتمع المنفتح على كل الثقافات، وهي أمور لم تكن تتوافر غالباً في سابق مجتمعاتهم!
* * *
تاريخياً وعلمياً ومنطقياً لا يوجد تقدم وازدهار وإبداع وإنتاج إنساني مميز بغير حرية، ولم ينص على ذلك في دستور الدولة عبثاً، ولم يسبق لدولة أن تقدمت بغير توفر الحريات فيها، لكن الحرية كانت أوّل ضحايا هجمة قوى التخلّف والتطرف الديني علينا، التي أدت إلى شلل كل نشاط ثقافي وفني وأدبي، وتسببت في انتشار الفساد وتأخر تطوير الدولة، والانغلاق، وكراهية الآخر، وارتفاع مكانة المتطرفين، وزيادة وتيرة استغلال السذج، وجمع الأموال منهم بحجة أو بأخرى، وتخلّف الأنظمة الإدارية الحكومة، وتغييب وعي الأمة، بعد أن أصبحت إرادتها مرهونة بما ينطق به بعض رجال الدين، الذين أصبحوا يشغلون مختلف المناصب، وأصبحت لهم اليد العليا والكلمة الأقوى والنفوذ الرسمي والشعبي الأوسع، فنتجت عن ذلك هجرة فراشات الحرية وانسحاب المنطق من حياتنا، واختفاء نسائم الإبداع، بعد أن سلمنا المنابر ووسائل الإعلام للمتردية والنطيحة، فأصبحنا أسرى الفتاوى والآراء والمواقف المتطرفة، فكان من المتوقع سماع الهراء واللغو وتصديق الأغلبية له، فكيف يجوز لرجل دين، يتمتع بقوة كبيرة، أن يطلب من أتباعه تطليق المرأة الشيعية، والزواج بأخرى من مذهبه نفسه، علماً بأن الشرع حلل حتى زواج المسلم بالمسيحية أو اليهودية؟ أو أن يقول بأن لا حرج على من يمارس الجنس، في بيته، مع غير امرأته، إن اعتقد خطأً أنها زوجته، وهي سمحت له بممارسة الجماع معها؟ ما هذا الذي أصبحنا نسمعه دون حرج ولا تعجب ولا استنكار؟ وكيف أصبحت مختلف الوزارات، والفنية منها بالذات، تمتلئ بخريجي الشريعة، مع الاحترام لهم، وما يتسبب فيه تعيينهم من حط من قدر من يتجاوزونهم علماً في مجالهم، وما يتسبب فيه جهلهم بمتطلبات وظائفهم التقنية من خراب وخسارة نتيجة اتخاذ القرارات الخاطئة؟
* * *
يقول صديق ليبرالي: هل تذكرون قبل سنتين غمزة البنت، التي تمارس اليوغا في دعاية زين، كيف هزت تياراً بأكمله؟ هل تذكرون تلك الغمزة التي رفعت شعار «بالحريات ما نتغشمر»، كيف جعلت المنغلقين يكشرون عن أنيابهم، والشرار يخرج من عيونهم، واللعاب يتطاير من أفواههم؟ هل تذكرون في «غزوة ذات الغمزات»، كيف سحبوا السيوف من أغمادها لمحاربة اليوغا لإخراجنا من الضلال الذي نعيش فيه؟ هل تذكرون كيف خلعوا نعلي المنطق والعقل، لأننا في بلد المنغلقين المقدس؟ هل تذكرون من قاموا بتكسير أشجار الميلاد ومختلف التماثيل، ومن أقاموا الدنيا على لعبة البادل، وتسليط مختلف الأضواء، الرسمية غالباً، والإشادة بمديرات المدارس التي تكفلت بتكريم الفتيات الصغيرات المحجبات؟ والقائمة تطول كثيراً.
تسببت كل هذه الأمور في زيادة التطرف، وزيادة قوة الأحزاب الدينية، وأصبح عزل المرأة واجباً دينياً، فأدى كل ذلك إلى تدهور أوضاع المرأة، اجتماعياً ووظيفياً ومادياً، نتيجة نظرة هؤلاء الدونية لها، مما زاد من معاناتها من مختلف أشكال القمع والعنف الأسري والمجتمعي؟ والخراب مستمر، على كل الأصعدة.
* * *
لا نحتاج إلى الكثير لنعرف الحقيقة.. علينا فقط النظر إلى ما كانت عليه الكويت في زمن الحريات، وما أصبحت عليه اليوم، بعد غياب الحريات عنها!
أحمد الصراف