نصيب الأمة من الإعلان العالمي
يختار البعض وصف أو تعريف أنفسهم، شفهياً أو من خلال بطاقات التعارف، بألقاب اجتماعية أو أكاديمية أو علمية، وهذا غالباً دليلٌ على عقدة نقص. كما يصر بعض هؤلاء على مخاطبة الغير لهم بألقابهم، شفاهة وكتابة. وبشكل عام، كلما زاد استخدام الألقاب الصحيحة أو الفارغة، دل ذلك على تخلف المجتمع، فأكثر الشخصيات العلمية والأكاديمية والسياسية رفعةً في العالم، مثل كيسنجر وعلماء فيزياء وذرة وغيرهم لا يضعون حتى حرف الدال – الذي تبهدل في دولنا – أمام أسمائهم، إلا إن كان توقيعاً لورقة علمية مثلاً! ويكفي أن رئيس أعظم أقوى دولة في العالم يخاطبه العامة والخاصة بـ«السيد الرئيس»، ولو كان حاملاً لأعلى الألقاب العلمية!
* * *
وضعت لنفسي معياراً يمكن عن طريقه تحديد من يستحق أن نطلق عليه لقب مفكر أو أستاذ أو دكتور، من غير الأطباء، من خلال مدى قناعتهم بأهمية استخدام مواد «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان»، فكلما زاد إيمانهم ببنوده زاد الاحترام لهم، والعكس صحيح، فالحقيقة أن قبول كل مواد الإعلان العالمي، من قبل أياً كان، مسألة في غاية الصعوبة، لذا أصبح هو المحك، أو الامتحان الحاسم.
* * *
بدأت قصة الإعلان العالمي في فبراير 1947 من خلال مجموعة مؤلفة من السيدة روزفلت، حرم الرئيس الأمريكي، والدبلوماسيَينِ، الصيني بين تشون تشانغ، واللبناني تشارلز مالك، بصياغة نص الإعلان، الذي تم تبنيه تالياً عام 1948، وأصبح مصدر إلهام لكثير من الأفراد والدول، وملزماً عالمياً، وهو إعلان يتضمن، لأول مرة في تاريخ البشر، اعترافاً دولياً بأن هذه الحقوق من صميم حقوق الإنسان، وغير قابلة للتصرف وتنطبق على الجميع في إطار من المساواة، وأن كلاً منا قد وُلد حراً ومتساوياً، من حيث الكرامة والحقوق مع الآخرين، بصرف النظر عن الجنس أو الجنسية أو العرق أو اللون أو الدين أو اللغة أو أي حالة أخرى.
تنص مواد الإعلان على أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهذا ليس مطبقاً في دول كثيرة. كما سنرى صعوبة تطبيق بقية البنود أو قبولها، من منطلقات دينية أو عرقية أو غيرها. فلكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع سوء كان سياسياً أو قانونياً، أو من لأية منطقة جغرافية، سواء كانت مستقلة أو تحت الوصاية أو خاضعاً لأيِّ قيد على سيادته. ولا يجوز استرقاقُ أحد أو استعبادُه، ولا إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة. كما أن الجميع متساوون أمام القانون، ولا يجوز الاعتقالُ أو الحجزُ التعسُّفي، وكل متَّهم بريء إلى أن يثبت ارتكابُه للجريمة، ولا يجوز التدخُّل تعسُّفياً في حياة الفرد الخاصة، أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا القيام بحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في حماية القانون من التدخُّل.
ولكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته، والحقُّ في التماس ملجأ في بلدان أخرى، والتمتع بجنسية ما، ولا يجوز، تعسُّفًا، حرمانه منها. وللرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين. ولا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين، فلا إكراهَ فيه. والأسرةُ هي الخليةُ الطبيعيةُ والأساسيةُ في المجتمع. ولكلِّ فرد حقٌّ في التملُّك، ولا يجوز تجريدُه من مُلكه تعسُّفًا. ولكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، وفي تغييره، وحرِّيته في إظهار دينه، وإقامة الشعائر. والتمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في اعتناق الآراء من دون مضايقة. وله حق الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات، وله حق اختيار من يمثله في البرلمان، وحق التساوي في تقلُّد الوظائف العامَّة. والحق في انتخابات نزيهة، والحقٌّ في الضمان الاجتماعي، وحقُّ العمل، وحقٌّ في المكافأة العادلة، وحقٌّ في الراحة وتحديد ساعات العمل والإجازة. والحق في التعليم المجاني، وحق الوالدين في اختيار نوع التعليم لأبنائهم.. إلخ.
لو تمعنا في بنود هذا الإعلان لتبين لنا أن دولاً لا تزيد على العشرين، أو ربما الثلاثين، هي التي تطبق بنوده بشكل قريب من الصحة، أما البقية، وخاصة دولنا الإسلامية والعربية، وبقية الدكتاتوريات، فليس لها نصيب!
أحمد الصراف