أبو سليمان وتبرُّع الخمسين ألفاً

ساهمت وآخرون في تأسيس جمعية الدفاع عن المال العام، وكان ذلك قبل ثلاثين عاماً تقريباً، واخترت، بعد نجاحي في انتخابات مجلس الإدارة، أن أكون أول أمين صندوقها، الخالي، فتبرعت للجمعية بمبلغ ألفي دينار لتغطية مصاريفها، كما تكرّمت علينا، في حينها، «جمعية الاقتصاديين»، مشكورة، بغرفة في مبناها، ليكون مقراً مؤقتاً لنا، إلى حين إشهار الجمعية رسمياً، وهو ما تم تالياً.

ما تبرعت به كان كافياً لتغطية مصاريف الجمعية لأشهر عدة، وكنت على استعداد لدفع الأكثر، نظراً لنبل الأهداف، التي كنا نسعى إلى تحقيقها، لكن حدث تطوّر تسبب في مراجعة موقفي ووجودي في مجلس الإدارة، عندما جاءني يوماً رئيس الجمعية، وأحد أعضاء مجلس الإدارة، وكان نائباً في مجلس الأمة الأخير، المنحل، وسلماني شيكاً صادراً باسمي بـ50 ألف دينار، وقالا، بكل سرور، إنهما سعيا لدى شخصية معروفة من الأسرة، للحصول على المبلغ كتبرُّع لتغطية مصاريف الجمعية!

لم يعجبني تصرفهما، ولا تحركهما من ورائي، ورفضت تسلّم الشيك، وقدمت استقالتي، وقلت لهما إن من تبرّع بذلك المبلغ هو جزء من مؤسسة الدولة، وقد يكون يوماً تحت مجهر الجمعية، فكيف يمكن تبرير استخدام ما تبرع به لكشف اعتدائه على المال العام، فيما لو حصل؟
* * *
استمرت الجمعية، بطبيعة الحال، بعد استقالتي، وجاء مجلس إدارة جديد، ونجح في إشهارها رسمياً، وحققت شيئاً من النجاح في أعمالها، لكن بقيت دون طموحات من أسسوها ووضعوا نظامها الأساسي، كما لم توفق الجمعية، حسب علمي، في كشف ما يكفي من اعتداءات على المال العام، وما أكثرها، على الأقل في السنوات العشرين الماضية، كما لم تضع برنامجاً لصيانة الأموال العامة، ضمن خطة عمل مدروسة وموضوعة وفق جدول زمني محدد، كما لم تنجح في نشر ثقافة حماية الأموال العامة من خلال المتخصصين في الجمعية، وربما ستفعل كل ذلك مستقبلاً، وهذا ما نتمناه.
* * *
زيادة أعداد من كانوا يطلبون مني، سواء بالرسائل أو بالحضور لمكتبي الخاص، مساعدتهم في حل مشاكلهم المالية والصحية، وتكرار شكاواهم من سياسة التفرقة، التي تتبعها بعض الجمعيات «الخيرية»، فيما يتعلق بالدين والمذهب، وبعد أن شعرت باليأس من تغيّر الحال، قمت بنشر مقال في بداية عام 2018 عارضاً فيه التبرّع بمبلغ خمسين ألف دينار، إن وجدت من يقف معي لتأسيس جمعية خيرية غير نفعية وغير منتمية، تقوم بتقديم المساعدة لمن ترفض بقية الجمعيات تقديم المساعدة لهم.

تلقيت، في يوم نشر المقال، اتصالاً من الأخ الكبير يحيى البسام، طالباً اللقاء بخصوص موضوع المقال، فعرضت زيارته، بعد أن عرفت أنه يكبرني سناً، وعند اللقاء سلمني، بحضور ابنه المخرج العالمي سليمان البسام، تبرعاً بـ50 ألف دينار! شكرت له ثقته وكرمه، ورفضت تسلّم الشيك، فالجمعية لم تؤسّس، ويسرّني جداً قبول التبرع، بعد إشهارها، وهذا ما تم، ومع الوقت، أصبح «أبو سليمان» من كبار المتبرعين للجمعية، وكان اتصاله الهاتفي، ومبادرته الكريمة، نقطة تحوّل مفصلية كبيرة في حياتي، وفي حياة عشرات الآلاف، الذين تلقوا مساعدات الجمعية، والتي قدّمت لهم بتجرّد تام، ولغير غرض شخصي أو مادي.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top