أمريكا سامي

يقول الزميل سامي بحيري: قضيت حوالي نصف حياتي في أمريكا، التي وصلتها منذ بضعة عقود، للقيام بمهمة هندسية قصيرة، لكن إقامتي امتدت، وأصبحت مواطناً أمريكياً، أستمتع بكل ما يتمتع به الأمريكي من حقوق، وما عليه من واجبات، وأحسَستُ يومها بالفرق، خاصة بعد أن شاركت في أول انتخابات رئاسية، وتالياً في مختلف الانتخابات.
بعد تجربة طويلة، يمكنني القول إن أمريكا ليست جنة الله على الأرض، لكنها المكان، الذي يُحب أغلبية البشر الهجرة إليه للاستمتاع بثرواته، وحرياته، وهذه مسألة في غاية الأهمية.
* * *
نسبة كبيرة منا لا تشارك الزميل والصديق سامي مشاعره، علماً بأن أغلبية سكان العالم لم يمروا بمثل ما مررنا به من تجارب وأحداث، كان لأمريكا يد فيها، سواء ما تعلق بتأسيس إسرائيل والتسابق للاعتراف بها، أو تثبيت بعض أنظمة الحكم في منطقتنا، أو المساهمة والوقوف وراء بضعة انقلابات عسكرية، دمّر من قاموا بها بلدانهم وأذلوا شعوبهم، مروراً بدورها في حروب وغزوات ومؤامرات المنطقة، وكانت لي مواقف متفاوتة منها، فهي الحب عندما نحتاجها لحمايتنا، وهي الكره عندما تقف ضد قضايانا الأخرى.

يقول سامي إننا عندما نشاهد أفلام الخيال العلمي، خاصة تلك التي تتعلق بنية كائناتٍ من كوكبٍ آخر غزو الأرض، أو أن كويكبا صغيراً سيصطدم بالأرض، نجد أن أمريكا، فقط ودائماً، هي التي تتعامل مع أي خطر قادم، ليس فقط لأن لديها المعرفة التكنولوجية والسلاح، بل لأنها الوحيدة القادرة على درء الخطر عنا. وقد رأينا في جائحة كورونا أنها وحدها تقريباً، التي كانت لديها الإمكانيات والقدرة السريعة والهائلة لإنتاج مليارات الأمصال المضادة للوباء، ووضع حد لانتشار الوباء. أمريكا هنا لخدمة الأرض، مجاناً تقريباً. فعندما رأى قادتها أن هتلر يشكل خطراً على العالم أجمع، قامت بالدفاع عن أوروبا وسحق جيوش هتلر. ليس هذا فقط، بل قامت بإعادة بناء ألمانيا وأوروبا عن طريق «مشروع مارشال» الشهير، كما ساعدت في إعادة بناء اليابان بعد الحرب، وعندما «اعتقدت» أن الشيوعية خطر على البشرية، قامت بمحاصرتها وأنهت الاتحاد السوفيتي، وعندما رأت أن عليها إنقاذ الكويت من براثن صدام تصدت لأمر، لم يكن بمقدور أحد غيرها القيام به، وأكملت المهمة، بعد 13 عاماً، بالقضاء على صدام وحكمه، لأنه رفض أن يتعلّم الدرس، وفشل من جاؤوا بعده في الاستفادة من أمريكا، كما فعلت ألمانيا واليابان وبقية دول أوروبا. وجاء موقفها الأخير المؤيد تماماً لإسرائيل لإيمانها السياسي والعسكري والعقائدي، بأن على أمريكا حمايتها ضد كل الأخطار.

وكما كان لأمريكا الدور الحاسم في دعم العدوان الإسرائيلي الشرس ضد أهالي غزة، فسيكون لها الدور الحاسم في إنقاذ سكان القطاع من المجاعة، وغالباً في إعادة إعمار ما هدمته وخربته إسرائيل. فموقف أمريكا من إسرائيل واضح ومبرر بالنسبة لأغلبية الشعب الإسرائيلي وسياسييه، فقصة إنشاء أمريكا تشبه قصة إنشاء إسرائيل، وكانت لأكثر من 75 عاماً، ولا تزال، في نظر الكثيرين، الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، كما أن جزءاً كبيراً من مسيحيي أمريكا، ومن الإفانجيليكان بالذات، ويقدّر عددهم بأكثر من 40 مليون أمريكي، يؤمنون بما جاء في التراث الديني المسيحي عن حتمية وقوع معركة «هرمجدون» بين قوى الخير وقوى الشر، وأنها ستقع على «تل مجدو»، أو جبل الزيتون، شمال فلسطين/ إسرائيل. وسيقود قوى الشر فيها «الوحش» أو«النبي الكذاب» في مواجهة قوى الخير بقيادة المسيح، وستنتهي بانتصار الأخير.
* * *
أمريكا، أحببنا أم كرهنا، هي أعظم قوة اقتصادية وعسكرية وعلمية عرفتها البشرية، وستبقى كذلك لوقت ما، إلى أن تخربها حرب أهلية، نتيجة اضطرابات مالية وإثنية داخلية، لكن إلى ذلك الوقت يجب أن نحسب حسابها، خاصة إن كنا من أصدقائها.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top