الظالم والمظلوم والديموقراطية

انتقد البعض، عن تعمّد أو لغرض في نفسه، موقفي المؤيد لكل ما تم اتخاذه من إجراءات إصلاحية، حتى الآن، مع توقّع المزيد منها تباعاً، وما نتج عنها من تعطيل لبعض مواد الدستور! كما عاب علينا، كما دأبه، سابق موقفي من ضرورة الحفاظ على الديموقراطية، وعدم ارتياحه لموقفي.
لسنا هنا في معرض الدفاع، لكن الحقيقة تتطلب توضيح بعض الأمور. فكل ما تم حتى الآن كان متوافقاً تماماً مع كل مواقفي، الشفهية والكتابية. وسبق أن كررت القول إن مصلحة الوطن وأمنه ووجوده أكبر وأهم مما أحب أو أتمنى وأرغب. كما لم أكن يوماً مع وجود البرلمان، بأي ثمن، بل العكس فقد سئمنا، وطفح الكيل بنا، كما بيّنا في عشرات المقالات، من سوء أداء المجلس، ولم نطالب يوماً بعدم المس بالدستور. ولم يكن البرلمان الأخير، الذي تم حله، غير مأسوف عليه، يمثّل تطلعات إلا المستفيدين منه، وكنا من المعارضين لأساس تكوينه، ومن كانوا يقفون وراء نجاح نسبة كبيرة من أعضائه، ونتمنى، مع كل المخلصين، أن ينتهي عمل لجنة مراجعة الدستور لما فيه الخير لوطننا ولديموقراطيتنا، التي ميزتنا، طوال العقود الستة الأخيرة، عن محيطنا، ولا تزال. وأرى ذلك التميّز فيما يخبرني به السفراء، الذين ألتقي بهم، وأعدادهم بالعشرات، سواء الذين سبق أن خدموا في دول قريبة، أو من يمثلون دولهم في الكويت وفي غيرها، وكيف أنهم يشعرون بحرية أكبر في الحديث معنا ومع غيرنا في أي موضوع يعنُّ على بالهم، مهما كانت درجة حساسية الأمر. فالكويت كانت بالفعل «غير»، يوم كانت ديموقراطيتنا في أوج تألقها، ولم تأكلها آفة التخلّف، وتبتعد وتتأخر وتُصاب بكل الأمراض التي كانت سبب هلاك الأمم قبلنا، وتغيّر ليبرالية الدولة، وتدفع بها لأن تكون شبه ثيوقراطية، دينية، برداء بيروقراطي متخلّف وعقيم.

إن الديموقراطية تحمل عيوبها معها، لكنها، في الوقت نفسه، تمتلك أو تحمل معها آلية تصحيح تلك العيوب والأخطاء! وهذا ما يحدث اليوم في الكويت. فالجميع مع وقفة التصحيح المستحقة، وليس مع إلغاء نظام طالما كان مصدر فخرنا. ففي النظام الديموقراطي مؤسسات تراقب الأداء الحكومي، مثل البرلمان، وأحزاب المعارضة، ومنظمات المجتمع المدني، والصحافة التي تتمتع بحرية التعبير، وبقية الأمور الحيوية التي كفلها الدستور في الأنظمة الديموقراطية. وكما قال ونستون تشرتشل: «النظام الديموقراطي ليس مثالياً، ولكن حتى هذه اللحظة، لا يوجد نظام حكم أفضل منه. ولم يتقدم أي عاقل، حتى الآن، ببديل عنه، يمكن قبوله من مختلف دول العالم».

أما الاستشهاد المتكرر والممل والسخيف بتخلّف دول وانهيارها، لأنها طبقت أو قبلت الديموقراطية أسلوب حياة، فإنه استشهاد سقيم، فمن غير المعقول تجاهل عشرات الأمثلة الصحيحة والسليمة والناجحة التي تطبق الديموقراطية، والتركيز فقط على عدد من الدول، التي لو طُبّق فيها أي نظام عرفه الإنسان لفشل أيضاً، لأنها تحمل جذور خرابها في بنيتها.

يقول الفيلسوف والاقتصادي الهندي أمارتيا سين amartya sen، الحائز جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 1998: «يجب ألا نسأل أنفسنا هل كان هذا الشعب أو ذاك مؤهلاً للديموقراطية أم لا؟ وإنما علينا أن نؤمن بأن كل شعب يجب أن يصبح مؤهلاً من خلال ممارسته للديموقراطية. لذلك، فالديموقراطية ليست الهدف البعيد فحسب، بل هي أيضاً الوسيلة لتحقيقها».
* * *
الموقف السلبي للبعض من الديموقراطية محيّر بالفعل، فهم لا يختلفون كثيراً عن عرب الثوريات والعنتريات، الذين يسبّون الغرب ظهراً وعصراً وليلاً، وفي صباح اليوم التالي يقفون في طوابير طويلة أمام سفاراتها للحصول على فيزا زيارتها، وتمنّي العمل فيها.

هم يلعنونها، لكن على غير استعداد لاستثمار فلس في غيرها، أو الشعور بالأمن إلا تحت ظلالها.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top