مُحرمي وربطات العنق

بدأت علاقتي بربطات العنق قبل 60 عاماً، عندما عملت في البنك، وكان لزاماً على موظفيه إما ارتداء الزي الوطني، للكويتيين، أو البدلة مع ربطة العنق، لغيرهم، ومنذ يومها لازمتني البدلة وحب الكرفتات.
أغلى ربطة عنق اشتريتها كانت في عام 1968، دفعت فيها لمتجر «هارودز» 41 جنيهاً استرلينياً، وكان ولا يزال، بعد 56 عاماً، مبلغاً كبيراً لكرفته، ولم يكن السبب كرماً ولا زيادة مال، بل كان خطأ فادحاً في قراءة السعر، وخجلاً من الإقرار بالخطأ، أو ربما منعتني عزة النفس من الاعتراف به أمام من كانت معي.
* * *
دعاني أمير محرمي، سفير جمهورية كرواتيا المميز ـ الذي سبق أن ألّف كتاباً قيّماً عن الكويت ووضعه بتصرف حكومته، وكل من يريد معرفة المزيد عن الكويت، خصوصاً السفراء الجدد ـ إلى حضور معرض أقيم في برج الحمرا، يتعلق بتاريخ ربطات العنق، وعلاقة كرواتيا التاريخية بها، فاسم الكرفته مشتق من اسم وطنه، كرواتيا، فقد كان الكروات، أو فرقة في جيشها، أول من وضع قطعة قماش حول العنق، ربما لتمييز فرقتهم عن غيرها من الفرق المحاربة في الجيش الفرنسي، وكانت البداية في القرن السابع عشر، وخلال فترة الحروب العثمانية في القارة العجوز، وكان الفرنسيون يطلقون على الربطة «كراباط» أو cravat نسبة إلى كلمة «كروات» croat، وهو اسم دولتهم في اللغة الفرنسية.

أثارت ربطة العنق الكرواتية اهتمام وإعجاب الفرنسيين، فأصبحت، خلال فترة قصيرة، موضة في البلاط الفرنسي، وانتشرت لاحقاً في أوروبا كلها. وكان للملك لويس الرابع عشر، المعروف بأناقته وشغفه بالموضة، دور في انتشارها، حيث كان من المعجبين بها، ولم يتردد في اعتمادها في زيه الشخصي، وهذا دفع النبلاء والارستقراطيين في فرنسا وأوروبا لارتدائها. ومن فرنسا انتقلت الكلمة والربطة لبقية اللغات الأوروبية.

يحتفل الكرواتيون بتراثهم المتعلق بربطة العنق، ويعتبرونها جزءاً من هويتهم الوطنية. كما يُقام في كرواتيا يوم مخصص للاحتفال بتاريخ «ربطة العنق»، ويصادف الـ18 من أكتوبر من كل عام. وربما تكون إيران الدولة الوحيدة التي يحظر فيها على المسؤولين، وربما حتى الشعب، ارتداء ربطات العنق، وغالباً لأنها ترمز إلى القوى الاستعمارية، التي تمثلها أمريكا والدول الغربية!
* * *
تصل اليوم القيمة السوقية لربطات العنق، وفق التقديرات الأخيرة، إلى 3.5 مليارات دولار، وهي في نمو، مدفوعة بعوامل مثل تطور اتجاهات الموضة، وزيادة الطلب على الملابس الرسمية، وارتفاع الطلب على ربطات العنق الفاخرة والمصممة بجودة عالية. وتعتبر الولايات المتحدة سوقاً رئيسياً لربطات العنق، إضافة لآسيا ودول المحيط الهادئ، وغالباً بسبب العدد المتزايد من أصحاب الياقات البيضاء، والتأثير المتزايد لاتجاهات الموضة الغربية. كما كان للتجارة الإلكترونية دور إيجابي في زيادة مبيعاتها، حيث وصلت لمناطق بعيدة عن مناطق بيعها التقليدية.

يتركز إنتاج الكرفتات وعلاماتها التجارية في المناطق، التي توجد بها صناعات نسيجية راسخة، مثل الصين وإيطاليا والهند. وتشمل العلامات التجارية البارزة في صناعتها هيرميس وبريوني وكانالي وبروكس براذرز و«فالتينو»، التي تسبب شراء واحدة منها عام 1968 في إفلاسي لما تبقى من الشهر.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top