لماذا المرأة؟

للروح قدسية كبيرة، وقتل الإنسان يمثّل القمة في الجرائم، لكن مع النساء الأمر ليس بذلك التعقيد، فعبر التاريخ كان هناك كم من الأعراف، التي سهلت قتل المرأة، ولم يوجد ما يماثلها للرجال!

ففي عدد من المجتمعات الهندية، كانت الأرملة تحرق مع زوجها، وهو عرف اجتماعي يعود إلى آلاف السنين، وكان سارياً، حتى ما قبل سنوات قليلة.

كما تتسامح قوانين عشرات الدول مع خيانة الرجل لزوجته أو لزوجاته، لكنها لا تتسامح مع الزوجة الخائنة، فالقتل غالباً، ولمجرد الشك هو مصيرها، وبأبشع الطرق. حتى الزواج أو العلاقة الجنسية أو حتى البريئة بين رجل وامرأة، ينتميان إلى طبقتين من المجتمع، حتى لو كانا من الدين والمذهب نفسهما، تستوجب غالباً، في مجتمعات هندية وباكستانية، قتل المرأة، أو عقابها، على الأقل، لأنها سمحت لنفسها بأن تقترن أو تقيم علاقة مع من ينتمي إلى طبقة أعلى منها.

كما تتساهل قوانين أغلبية الدول الإسلامية مع قتل المرأة، في ما يعرف بجرائم الشرف، حتى لمجرد الشك في سلوكها، وغالباً لا تتعدى عقوبة القاتل سجناً لبضع سنوات أو أشهر، وهذا يسمى في العراق، على سبيل المثال، بـ«قانون الفضيلة العشائري». كما تنتشر في مجتمعات عربية عادة الاستيلاء على نصيب الأنثى من ميراثها، بحجة أنها ليست بحاجة إليه. وفي باكستان، وضمن الأُسر الفاحشة الثراء، التي لا تريد لثرواتها أن تنتقل إلى أيدي غيرها، يُحجب أو يمنع زواج الفتاة إلى غير قريبها، وإن لم يوجد، فهناك تقليد غير قانوني في بعض أرياف الهند وباكستان، يطلقون عليه «زواج القرآن»، تصبح بموجبه الفتاة محرمة على الغير، فتبقى في البيت، لا تغادره، لا هي ولا نصيبها من الثروة. وعادة ما تُقتل المرأة، لأيّ سبب كان، ولكن العذر الجاهز سوء أخلاقها وسلوكها، وحتّى لو كانت مغتصبة، حيث تجيز بعض المجتمعات للمغتصب العفو عنه إن «تنازل وقبل» الزّواج من ضحيته، وهذا يمثل قمّة إهانة الروح البشرية السامية والمقدسة!

يتم التعامل تاريخياً مع جرائم الشرف في الدول الإسلامية والعربية بتساهل، مقارنة بجرائم القتل الأخرى. لكن شهدت بعض الدول إصلاحات قانونية للتعامل معها كأية جريمة قتل أخرى، ومنها تونس، الرائدة بين الدول العربية في ما يتعلق بحقوق المرأة. وفي الأردن، الذي ألغى البرلمان في 2017 المادة التي كانت تسمح للمغتصب بالزواج من الضحية لتجنّب العقوبة، وتم إلغاء تخفيف العقوبة في حالات جرائم الشرف. وجرى الأمر ذاته مع السلطة الفلسطينية، كما تعتبر تركيا من الدول، التي تتعامل مع جرائم الشرف كأي جريمة قتل أخرى، والأمر ذاته في مصر، ولكن ربما لا يكون مطبقاً في المناطق النائية منها. كما انضم المغرب إلى الدول المتشددة في التعامل مع جرائم الشرف، حتى لبنان اضطر، عام 2011، إلى إلغاء المواد التي كانت تُخفّف العقوبة عن مرتكبي جرائم الشرف.
* * *
بعد مرور عقد من معارضة مشروع قانون تخفيض سن زواج الفتاة إلى التاسعة، في العراق، عاد المشروع بقوة إلى الواجهة، باتفاق الكتلتين الأكبر في البرلمان العراقي. وسيمر القانون غالباً، لاتفاق النواب الشيعة والسنة عليه، حيث سيتخلّى النواب السنة عن معارضتهم لتخفيض سن الزواج، مقابل تخلّي النواب الشيعة عن معارضتهم لقانون العفو العام في العراق، الذي يصب لمصلحة السنة، في الغالب!

معارضة هذا القانون الجائر لا يجب اعتبارها تدخلاً في شأن عراقي داخلي، والسبب أن إقراره فيه سيؤثر في الغالب على دول أخرى، وهذا مبعث خطورته.

لا يمكن لأية دولة أن تتقدم بغير إعطاء المرأة كامل حقوقها، وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top