توسّع العبودية.. المستمر!
نحن، كبشر، ولأي مجتمع أو دين أو ثقافة انتمينا، عبيدٌ لعاداتنا السيئة، وحتى الجيدة منها، كالقراءة مثلاً.
حاولت جاهداً منذ سنوات، ومن خلال تجارب صعبة، الانعتاق من العبودية لأية عادة أو طريقة عيش، وعدم السماح لها بالسيطرة على حياتي، كصعوبة النوم في غرفة غير معتمة بما يكفي، أو ليست باردة أو غير دافئة، بما يكفي، أو عند افتقاد الوسادة، أو الفرشة، أو وجود ضوضاء في الخارج، وغير ذلك، ونجحت إلى حد كبير في ذلك، أو هكذا اعتقدت.
كانت بداية اكتشافي لتحكّم العادة في تصرفاتي يوم وجدت نفسي، قبل بضعة عقود، وأنا في مدينة غريبة، بأنني نسيت الكتاب، رفيق سفري. كان الوقت متأخراً وعطلة رسمية للحصول على بديل، وكان النوم صعباً بغيره، فكانت ليلة طويلة تقلبت فيها في الفراش كثيراً قبل أن تخلد عيناي وجسدي الطاهر للنوم، ومنذ يومها قرّرت أن أدرّب نفسي على أن أنام من غير قراءة كتاب أو غيره. كما لجأت إلى الصوم المتقطع للتغلب على عادات قهوة الصباح، وعدم ترك البيت بغير إفطار، وحتى ترك شرب القهوة والشاي في المكتب لأيام من دون كبير معاناة، كما توقفت تماماً منذ سنوات عن مشاهدة التلفزيون.
غيّرت قبل بضعة أشهر كمبيوتري الشخصي بآخر جديد يعمل فور رفع غطائه، من خلال تعرّفه على بصمة الوجه، مثلما يعمل الهاتف النقال. لم أكن أعرف أن الجهاز مبرمج، بحيث يتطلب من مستخدمه، بين الفترة والأخرى، استخدام الرقم السري الـpin، حيث توقف فجأة طالباً الرقم، لكني نسيته، معتمداً كلياً على خاصية التعرّف على الوجه، مع ضمان توافر كل ما على الجهاز من صور ومعلومات ومئات المقالات الجاهزة للنشر، على برنامج «السحاب أو كلاود»، وهذا يعني ربما شراء جهاز جديد وتنزيل المعلومات عليه، وترك القديم إلى حين التمكّن من فتح شفرته، لكن تبيّن أيضاً، أن الجهاز الجديد، الذي عليّ أن اشتريه، يجب أن يتحلّى بخاصية الحروف العربية، وهذا غير متوافر في ماربيا، حيث أتواجد حالياً، وهذا يعني توقف نشر مقالاتي في القبس إلى حين عودتي للكويت!
لم أجد مفرّاً غير تكليف من قام بالحصول على جهاز كمبيوتر عربي في الكويت، وتنزيل كامل المواد من كلاوود عليه، بحيث أصبح جاهزاً خلال ساعات، ولكن بقيت مشكلة إيصاله لماربيا، في يوم الجمعة 16/8/2024، بحد أقصى.
قمت من فوري بإجراء اتصالات عدة لأصدقاء أعزاء، كبار في مقاماتهم وفي نخوتهم، طالباً مساعدتي في إرسال الجهاز مع الرحلة الكويتية التالية المتجهة إلى «ملقا»، وهذا ما تم بفضلهم بالفعل، بسرعة قياسية. فشكراً لجميل جهودهم جميعاً!
المهم في الموضوع أن هذه الحادثة شكّلت جرس إنذار، فقد عشت 48 ساعة من القلق غير المبرر، إلى حين وصول الجهاز واستعادة نصوص مقالاتي، التي لم تنشر ومئات أو آلاف المواد الأخرى، وكان قلقي حقيقياً لفقدي لثروة معلوماتية هائلة، هذا غير الالتزام الأدبي بنشر مقالاتي في القبس! كما اتضح لي أن ما سبق أن كتبته، قبل سنتين، عن تخلّصي من عادات سيئة، لم يكن دقيقاً تماماً، حيث استبدلتها بأخرى أكثر قوة وشراسة، كما يغيّر المدمن مخدراً بآخر أكثر تأثيراً. فقد ودعت سادة «لِطافاً»، بسادة أقل لطفاً، يضاهون بحجمهم وحاجتهم لوقتي واهتمامي أضعاف أضعاف كل ما كانت تحتاجه عاداتي القديمة من وقت واهتمام، وهؤلاء السادة الجدد هم الهاتف النقال، و«الواتس أب» ومقال القبس، إضافة إلى «درزن» من الطغاة الجدد الآخرين!
أحمد الصراف