المصرف الإسلامي والبنك العادي

دخلت في 1992 في مجلس إدارة أحد البنوك، الذي كنت أعمل فيه قبله بـ30 عاماً تقريباً، عندما كنت في أواخر سنيّ مراهقتي. في ثاني اجتماع لمجلس الإدارة عُرضت علينا دراسة، أعدها المجلس السابق، تعلقت بتحوّل البنك إلى نظام الشريعة. عارضت الفكرة من منطلقات مبدئية، ووقف معي أغلبية الأعضاء، فماتت الفكرة في مهدها، ويبدو أنه تم إحياؤها مؤخراً، بعد مرور 30 سنة على وفاتها.

تختلف الطريقة التي تُدار بها البنوك الإسلامية عن غيرها، في أنها تؤدي عملها على ما اتفق على تسميته بـ«مبادئ الشريعة الإسلامية»، وهي مجموعة قواعد وضعت من قبل مؤسسات ورجال دين لخدمة غرض معين، ومنها رفض مبدأ الربا، أو الفائدة، بمخالفتها للشريعة، وهذا صحيح من الناحية النظرية، لكن أساس عمل أي مصرف هو تحقيق هامش ربح يمكن تسميته ربا أو ربحاً أو مشاركة أو ناتج عملية بيع وشراء، أو غير ذلك. والدليل أن ارتفاع تكلفة الاقتراض عالمياً، أو محلياً، ينتج عنه بالضرورة ارتفاع تكلفة التعامل مع البنك الإسلامي، والعكس صحيح. فجميع المصارف سريعة التأثر بسعر الفائدة العالمي، قالت ذلك أم لم تقله.

كما تعتمد المصارف الإسلامية على مبدأ مشاركة العميل في مخاطر تجارته، وهذا فقط من الناحية النظرية، حيث يقوم البنك بمشاركة العميل، أو المقترض، في تجارته أو في عقاره، يربح معه، ويخسر معه!

فعندما يتقدم للبنك تاجر بطلب اقتراض مليون دينار لتمويل شراء عدد من السيارات مثلاً، وقد يكون الشراء فعلياً أو على الورق، يقوم البنك نظرياً أو فعلياً بشراء البضاعة له، من ثم بيعها عليه بسعر أعلى، ويسمى الفرق «مرابحة»، ولكنه في الحقيقة فائدة يتم تحديدها بناء على سعر الفائدة السائد في السوقين المحلي والعالمي. ولكي تكون العملية شرعية تماماً، فإن المصرف الإسلامي ملزم بالاحتفاظ بمخزن فعلي، يكون هو المكان الافتراضي، أو الشرعي، الذي تم فيه تخزين السيارات، التي تم شراؤها لحساب العميل، إلى حين بيعها عليه.

بسبب طبيعة عمل البنك الإسلامي، وقدرته على شراء السلع، إن أراد، وبيعها لعميل أو لحسابه، وأيضاً شراء العقارات لعملائه وتمويل بناء تلك العقارات وبيعها أو تأجيرها، وبسبب طبيعة السوق، والضمانات التي يحصل عليها، فإن النسب التي يحصل عليها أعلى بكثير من التي يحققها البنك العادي. إضافة إلى قدرة المصرف الإسلامي على العمل كتاجر لآلاف السلع وآلاف العقارات، فترخيصه يسمح له بذلك، وهو الأمر غير المسموح به للبنك العادي.

كما أن الرقابة على البنوك الإسلامية لم تكن يوماً بالصرامة، التي يتم بها التعامل مع البنوك العادية.

الخلاصة: تعتمد البنوك الإسلامية في عملها على ما يصدر عن الهيئة الشرعية، العاملة لديها، للاطمئنان على أن ما تقوم به من عمليات تتوافق مع الشريعة. علماً بأن آراء الهيئات تتفاوت من مصرف لآخر.

وخير دليل على مرونة المصارف الإسلامية، مقارنة بغيرها، يعود إلى نوعية ترخيصها، فسعر سهم المصرف يرتفع بحدة في البورصة بمجرد إعلان الرغبة في التحوّل إلى مصرف إسلامي، مع أن كل عوامل البنك الأخرى، كرأس المال، ومجلس الإدارة وبقية الأمور لم تتغير!


أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top