درزن تساؤلات عن أنشطة «الخيريات»!
أقرّت «الشؤون» مؤخراً إشهار جمعيتين خيريتين، فأصبحت لدينا قرابة 60 منها، تدّعي جميعها أنها تهدف إلى مساعدة المحتاجين، والقاسم المشترك بين أغلبيتها تشابه أهدافها، وانتماؤها لأحزاب تحت أرضية دينية.
لم يترك الفساد جهة في الدولة لم ينخرها، وكان لا بد من تحرّك عجلة الإصلاح، مع هذا بقي العمل الخيري محصناً تقريباً من الرقابة الفعلية، بالرغم من كل ما يثار حول أنشطته من شكوك، داخل البلاد وخارجها، ولا نقلل هنا من جهود وزارة الشؤون وإخلاصها في مراقبة أوضاع الجمعيات، وشعوري أنها تتمنى لو تستطيع أن تفعل الأكثر.
تزايدت في الفترة الأخيرة أصوات ممثلي بعض الجمعيات الخيرية، منددة بالمشككين بها أو المطالبين بتشديد الرقابة عليها. وقالوا إن العمل الخيري له راع رباني يحفظه، وكأنهم يقولون: لا تقتربوا منه!
كما حرص أغلبية المشرفين على هذه الجمعيات على تبرير استقطاعهم لنسبة مئوية من التبرعات، بحجة تغطية مصاريف الجمعية الإدارية، هذا جميل، ولكنه يخلو تماماً من الشفافية، وزادت من درجة الشك مطالبتهم الوزارة والبنوك بتخفيف التدقيق عليهم، وأن لا حاجة له، فهم يقومون (ما شاء الله عليهم) بالتدقيق على أعمالهم، في الداخل والخارج، وأنهم محاسبون يوم القيامة، عند الله!
أولاً: معروف أن استقطاع نسبة الـ%12.5 من مبلغ التبرع جاء بفتوى، لكن الفتوى لم تجبر الجمعية عليها. والمشكلة ليست في الاستقطاع، بل في نسبتها العالية، وفي كيفية التصرف بها، وبأمر من؟ وأين تذهب؟
ثانياً: تنتمي الجهات، التي أفتت باستقطاع نسبة العاملين عليها، في أغلبيتها، إلى الجهات السياسية والعقائدية نفسها، التي تدير أغلبية الجمعيات. علماً بأن هناك فتاوى تجيز استقطاع نسب أعلى.
ثالثاً: عدد الجمعيات الخيرية يفوق حاجة الدولة بعشرات المرات، خاصة تلك التي تتشابه أهدافها؟ فإن كان الهدف الأجر السماوي، فلِمَ لا نجد هذا التكالب نفسه على أداء مهام، كالإمامة ورفع الأذان، بكل ما في المهنتين من أجر؟
رابعاً: من يتبرّع لبناء مسجد، مثلاً، في دولة أجنبية يتعرّض تبرعه للخصم مرتين! فنسبة تستقطعها الجمعية في الكويت، ونسبة أعلى، غالباً، تستقطعها الجمعية الأجنبية، والتي تكون من «صنف» الجمعية نفسها في الكويت.
خامساً: لا تعرف أية جهة العدد الفعلي للعاملين في هذه الجمعيات، سواء في الداخل أو الخارج، علماً بأن مؤهلات هؤلاء تنحصر في انتمائهم لحزب مجلس إدارة الجمعية نفسه في الغالب منهم، فالتوظيف يتم بناءً على الولاء، وليس على أساس الكفاءة والأمانة.
سادساً: من السهل على الحكومة منع الجمعيات من استقطاع نسبة العاملين عليها، من خلال توفير اعتمادات مالية تغطّي كل مصاريفها، سحباً من الرصيد المتوافر لدى وزارة المالية من أموال زكاة الشركات المساهمة. وإن تم ذلك فستخرج عشرات الجمعيات من الميدان، لأن سبب وجودها يكون قد سقط.
سابعاً: سيساهم إجراء الحكومة كذلك في وقف تسرّب نسبة الخصم، أو جزء منها، لتمويل أية أنشطة غير مشروعة.
ثامناً: لم تتبرع أية جمعية خيرية، خصوصاً التي عارض ممثلوها وقف الاستقطاع أو تخفيضه، بالإعلان عما يتلقاه مجلس إدارتها، وبقية القائمين عليها، من رواتب ومزايا.
تاسعاً: منذ 70 عاماً لم تقم أية جمعيات خيرية بنشر ميزانياتها، والاستثناء الوحيد ربما كانت جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية.
عاشراً: كل ما يقال عن إشراف من وزارة الخارجية على أنشطة ومشاريع الجمعيات الخيرية في الخارج، غير صحيح بتاتاً، فليس لدى الخارجية جهاز فني وهندسي ومالي متفرّغ لمراقبة مشاريع بناء المدارس والمساجد في الخارج.
أحد عشر: إن الجهات الرقابية والأمنية مطالبة بالبحث عن سبب وجود كل هذا العدد من الجمعيات، وسبب التكالب المستمر على تأسيسها.
أثنا عشر: العمل الخيري مغارة لا تعرف أية جهة، بدقة، ما يجري بداخلها، كما أن نفوذها بازدياد مع زيادة في مواردها المالية.
***
إن خير امتحان لجدية العاملين على الجمعيات، إخضاعهم، كبقية كبار موظفي الدولة والمصارف وشركات التأمين، لتوقيع إقرارات الذمة المالية. وسيرفضون ذلك حتماً.
المثل يقول: لا تبوق.. لا تخاف!
أحمد الصراف